معلولا بلدة قلمونية سورية تقع في الشمال الشرقي من دمشق وتبعد عنها /٥٦/ كم وهي محاطة بجبال القلمون التي تصلها بالسلسلة القلمونية التي قطعتها القديسة تقلا في إجتيازها.
منازلها هي الوحيدة في سوريا التي تعطي نموذجاً غريباً في بنائها فهي مؤسسة على الصخر ومتصاعدة فوق بعضها البعض على شكل مدرج غريب تكاد تنعدم فيه الطرق سوى ممرات ضيقة يخيّل للناظر إليها كأنها خلايا النحل، وداخل تلك المنازل مغاور وكهوف يتحصن فيها السكان أيام الضيق والإضطهادات معتصمين بمواقعها الحصينة، ولا تزال السلالم الخشبية القديمة العالية شاهدة عيان عما مر فيها في تلك الأيام العصيبة .
أهالي معلولا يتميزون بلغتهم الخاصة عن غيرهم إذ يتكلمون اللغة الآرامية التي تكلّم بها السيد المسيح وما زالت شائعة بينهم حتى يومنا هذا وهي لغتهم الأساسية.
ودير القدّيسة تقلا في معلولا هو المقصود في هذه المنطقة من قبل جميع الأديان والطوائف على اختلاف معتقداتها، فهو الدير الأم الذي يحضن سائر الزائرين بخشوع وأصحاب النذور والحجاج ونقول ' الحجاج ' لأنه من الأمكنة المقدسة التي كان يقصدها المسيحيون والمسلمون قبل حجهم إلى القدس الشريف لزيارة القبر المقدس وجامع الأقصى الشريف.
السيّد الياس سركيس دامون من سكان قرية معلولا وهو شاب في مقتبل العمر من مواليد عام ١٩٧٣، عامل مكافح يكسب رزقه من عمله في أحد معامل الأحذية في منطقة حرستا في دمشق، ومن طبيعة عمله أن يضع كمية من المسامير في فمه ويأخذ منها الواحد تلو الآخر ليثبت النعال في الحذاء كما هي الحال لكل اسكافي، وفي تاريخ يوم ٢٠٠٧/٥/٢٢ وبينما هو منهمك في عمله جاءه أحد العمال ليتحدث معه في أمر ما، فنسي نفسه وإبتلع كمية المسامير التي في فمه، فنقل حالاً إلى الطبيب انس عجي الذي حاول إنقاذه بعد أن أجرى له عملية تنظير لمعدته حسب الصورة الإشعاعية أعلاه وتأكد من وجود المسامير فيها، وبما أن المسامير لم تكن قد تثبتت في جدار معدته بعد، فقد نصحه الطبيب بأن يأكل أطعمة ذات ألياف مثل التفاح مع قشرته والخس وغيره، مما يساعده على إنزال المسامير من معدته إلاّ أنّ الأمر راح يتفاقم يوماً بعد يوم وليس هناك من نتيجة إيجابية مرجوة، والألم يشتدّ ويزداد، وأصبحت المسامير تغرز في معدته مسببة نزيفاً وقيحاً وألماً مبرحاً، مما إضطر للجوء إلى الدكتور معن المالكي فأشار عليه نفس العلاج السابق علَّ وعسى أن يجد الشفاء به، وأيضاًً أصبح العلاج دون جدوى، والألم يزداد ويشتد يوماً بعد يوم، فنصحه الأصدقاء باللجوء إلى الدكتور حسان غزي الذي أجرى له صورة بالرنين المغناطيسي وتبين له بأن الحالة متفاقمة جداً ويحتاج إلى عملية جراحية ولكنها خطيرة والأمل من نتائجها ضئيل جداً وقد يفارق الحياة أثناءها، لأن المسامير قد توزعت في عدة أمكنة من جسمه والنزف والقيح إنتشر لشكل خطير في معظم أجزاء جسمه مما يصعب معه الشفاء، وفي غمرة اليأس والألم قرّر السيد الياس دامون إجراء العملية الجراحية مسلّماً أمره لله وللطبيب الجراح ربّما يجد على يده الشفاء، إلاّ أنّ الخوف كان يتملكه لأن إحتمال نجاح العملية 5% أو 6% فقط كما أخبره بذلك الطبيب.
وقبل إجراء العملية بيومين وكان يوم أحد الواقع في ٢٠٠٧/٦/٣ أراد أن يزور دير القديسة تقلا طالباً معونتها في العملية الجراحية وكان اليأس والألم يسيطران عليه، فزار مقام القدّيسة المقدّس حيث جثمانها الطاهر مسجى فيه وطلب من الراهبة خادمة المقام أن تصلي له وتطلب له الشفاء من الله والقديسة صاحبة العجائب المتكررة والمستعصية، فأجابته بما أنه لجأ إلى القدّيسة تقلا عليه أن يطلب هو بنفسه منها مباشرة ولن تخيّب له ظنه، وإن شاء الله لن يحتاج إلى أية عملية بعد تدخل العناية الإلهية، وأعطته ملعقة من زيت قنديل المقام المقدس فشربها وأصبح مطمئناً بعض الشيء وركع ساجداً أمام نافذة قبر القديسة وراح يبكي طالباً العون والشفاء لأنه لم يعد يستطع إحتمال الألم الذي لا يطاق، وخرج من المقام المقدّس وجلس على إحدى درجاته الجانبية تحت صورة للقديس إليان الطبيب الشافي وهو يبكي ويطلب المعونة.
وفي غمرة حالته هذه شعر بيد شخص تربت على كتفه، فنظر ليرى من هو فإذا بالقديسة تقلا تظهر له ببهائها ونورها حاملة الصليب بيدها، فصاح من شدّة ألمه طالباً منها الشفاء وأخبرها بأنّ عمليته خطيرة والرجاء منها ضئيل جداً، فأجابته بالتأكيد وكأنها تعرف كل شيء، وقالت له: "صحيح إن عمليتك صعبة وخطيرة!.. ولكن مع صليب المسيح ليس هناك من شيء صعب".
وهنا رأى الصليب الذي تحمله في يدها قد لمع وتلألأ، وكان واقفاً بقربها كل من النبي الياس حاملاً بيده عكازاً والقدّيس جاورجيوس وفي يده رمحاً يعلوه صليب، وقد هزّوا برؤوسهما مؤيدين كلام القديسة، فأمسكت القدّيسة بيد السيد الياس وقالت له:
' تعال لنذهب!.. '
فذهب معهم إلى مكان لم يراه في حياته من قبل، ولا يستطيع لسان بشر أن يصف جماله، ولم تراه عين بشر ولم تسمع به إذن، فشاهد الملائكة تطير فيه هنا وهناك، والأنوار الساطعة الجميلة تتلألأ كالجواهر واللآليء وتملأ كل مكان بالفرح والسلام، والشلالات والأشجار غير المعتادين عليها والمألوفة على الأرض تجمّل المكان برونق لونها وانسيابها، ورأى نهراً إحتار في أمره هل هو نهر ماء حقاً أم أنه نهر لؤلؤ ومرجان، لأن الماء الذي يجري فيه كان يتلألأ كاللؤلؤ المنثور والأنوار تنبعث منه، فطلبت منه القديسة تقلا أن يشرب من النهر لأنه نهر الجنة، وقالت له :
'هذا هو النهر الذي قال عنه الرب يسوع، مَنْ آمن وشرب منه فلن يعطش أبداً'
ومدّت يدها فوق النهر والصليب بيدها فخرج من الصليب نور ونار باتجاه معدة الياس وشعر حالاً بارتياح كبير ولم يعد يشعر بأي ألم وملأ قلبه الفرح والسلام، فاقترب منه النبي الياس وسلمه العكاز الذي كان بيده وقال له:
'خذ هذا العكاز فهو سيعينك بالشدائد، ولا تكن غير مؤمن بل مؤمناً '
وأما القدّيس جاورجيوس فقد لمع الصليب على رأس رمحه وقال له:
'لماذا لجأتَ إلى الأطباء البشر ولم تلجأ إلى المسيح والصليب، هما الطبيبان الوحيدان اللذان وهباك الشفاء الآن فليكن ذلك درساً لك 'فرتبت القديسة تقلا بالصليب على كتفه وقالت له:
' آمِــنْ، آمِــنْ، آمِــنْ '
ثم قالوا له جميعهم:
'اذهبْ بسلام'
ورسموا ثلاثتهم إشارة الصليب على صدورهم، وطلبوا منه أن يبشر بهذه الأعجوبة ابتداءً من قرية معلولا، وأن لا يخاف أحداً من مضطهديه ومضايقيه وهم كثر لأنهم سيكونون معه وبجانبه ويعضدونه، ورسم هو أيضاً إشارة الصليب على صدره وانتهت الرؤيا.
من شدّة فرحه وتأكيده من شفائه راح يتلمس معدته التي لم يستطع قبلاً أن يلمسها أبداً من شدة الألم بسبب النزف والتقيح، فلم يشعر بأي ألم فيها وراح يركض فرحاً في كل مكان في الدير غير مصدق ما حصل له وهو يهلل ويرقص متجهاً إلى غرفة رئيسة الدير، واخبرها بالنبأ العظيم الذي باركته وأيدته لكثرة عجائب القديسة تقلا في الآونة الأخيرة خاصة، حيث إيمان المسيحيين قد تضاءل كثيراً جداً بسبب ما يقدمه العلم من إختراعات مما قلّل الإيمان بوجود الله ومراحمه، وانصاعوا وراء الشيطان وحيله مطيعين أوامره ومؤمنين به، فطلبت منه الرئيسة بأن يذهب حالاً إلى مصور الأشعة ويحصل على صورة جديدة لمعدته للتأكد من صحة الأعجوبة، وفي صباح اليوم التالي صوّر معدته ولم يجد فيها أي أثر لأي مسمار، ممّا أكّد حقيقة وصحة حصول الأعجوبة، كما أنه عرضها على الطبيب الجراح الذي أكد صحة الصورة الإشعاعية وتاريخها بعد حدوث الأعجوبة مباشرة، وهو الآن يتنقل من مكان إلى آخر يقص قصته بكل إيمان وفرح، وكل من يسمعها يهرع إلى الدير طالباً العون من القدّيسة تقلا ويتبارك من الزيت الذي ينضح من أيقونتها العجائبية.
وفي يوم ٢٠٠٧/٦/٥ وجد السيد الياس أيقونة القديسة تقلا التي أهدته إياها رئيسة الدير ليصلي لها لتعينه وتشفيه تنضح بالزيت المقدس فحملها حالاً وهرع بها إلى الدير حيث وُضعتْ في الكنيسة وقد صرحت إحدى الراهبات وبعض شهود العيان بأن الزيت كان ينضح منها بغزارة لا توصف ولم يُشاهد لها مثيل من قبل، ولم يبقَ أحد في القرية وما حولها ممَنْ سمع بها إلا وهرع إلى الدير ورأى بأم عينيه نضوح الزيت وتباركَ منه حاملاً معه زاداً إلهياً إلى أسرته وأهله بقطعة من القطن المبللة به تبركاً وإيماناً.
فيا أيّتها القدّيسة العظيمة في الشهيدات صلي لأجلنا وقوّي ضعف إيماننا وإحفظينا من الشدائد والنكبات والإضطهادات، آمــــــــــــين.