هو الراهب اللّبنانيّ المارونيّ (١٩١١-٢٠٠٣)، الذي قطن في دير الأحمر، وذاع صيتُه في كلّ لبنان.
إشتهر بقداسته وعجائبه العديدة في حياته وبعد مماته… كان يظهر في مكانَين في الوقت عينه، ويعظ الناس بقوّةٍ الروح القدس، ويردّهم إلى التوبة والكنيسة والإيمان، لا سيّما بكلاماته المُبكّتة والصارخة في وجه الخطيئة وقلّة الحشمة !!
إليكم هذان المقطعان من كتاب: “وصيّتي الأخيرة” (وليم نصرت أبي طايع)
كان الأب بطرس مُنصف يتحدّث دائمًا على أهميّة الصّلاة والعبادة وعمل الخير.
كان دائم التطلّع إلى الفردوس السماويّ، وفي الوقت نفسه يحذّر المؤمنين من عذاب النار في جهنّم، ويسأل المُجتمعين حوله: كيف تعبُدون الجسد، وتقتلون الروح؟ أتُقبِلون على الملذّات النجسة وتهملون عبادة الله؟
شعاره كان وما تبدّل يومًا: كونوا متيقّظين ليوم الحساب واحذروا نار العذاب التي لا تطفأ.
وعندما سُئل عن حقيقة جهنّم أجاب:
“طلبتُ من السّيدة العذراء أن تُريني جَهنّم، فاستجابت لتوسّلاتي، وأرتني إيّاها.
يا لهول ما رَأته عيناي!! في الحلم طبعًا.
فقد سِرتُ في طريقٍ قادتني إلى ما يشبه بحرًا لا نهاية له.
إنّه بحرٌ من نارٍ لا حدود له، والنار مشتعلة فيه.
إنّها أمواج تتصارع في زمن الإعصار، أمّا المعذّبون في هذا البحر، فيتخبّطون ويتألّمون وسط ألسنة النيران المُرعبة.”
“الويل للخطأة من نار جهنّم ،وعذاب الآخرة!” (الخطأة الذين يرفضون التوبة)؛ عبارةٌ طالما كان يردّدها ليحذّر الناس من مغبّة الإستمرار في الخطيئة:
هذا هو الواعظ الذي نذر حياته في خدمة الكنيسة وأبنائها…
إليكم رؤيا جهنّم والسيّدة العذراء في الحُلم:
دأَب الأبونا بطرس على الصّلاة للفقراء، للمعذّبين، للأنفس المطهريّة، للموتى أجمعين… هو يصلّي ويصلّي ويستغرق في التأمّل والقراءات ساعات وساعات…
بعد كلّ هذه الساعات الطّوال من الجهاد نام الأبونا، وما لبث أن رأى نفسه في سهلٍ أخضر واسعِ كسهل البقاع، فيه أشجار وأزهار وينابيع… وكم فرِح عندما رأى العصافير على إختلاف ألوانها وأنواعها، تزقزق مبتهجةً بهذه الطبيعة الغنّاء، وبهذا المنظر الأخّاذ الذي أوجده الله لتستمتع به العين، ويسرّ به الأنف، وتفرح به الأذن، وكلّ حاسّة من الحواس الخمس، إنّه الربيع الساحر.
الطبيعة جميلة مدهشة والأبونا يسير مسرورًا، ولأنّ لكلّ بداية نهاية، إنتهت الرحلة الممتعة، وظهرت صحراء جرداء مترامية الأطراف… فإذا بالأبونا يسمعُ صراخًا وعويلاً… الناس هنا يتألّمون يتعذّبون ويستغيثون.
الأبونا يمشي مشيًا حثيثًا ليصل إلى النائحين الباكين، عساه يتمكّن من مساعدتهم… إنّه منظرٌ محزنٌ…
الأبونا يمشي، خلفه سهلٌ أخضرٌ عامر بالحياة والسعادة لا أحلى منه ولا أجمل، (السماء الأبديّة) وأمامه منظر يفتّت الأكباد ويفجّر الدموع من مآقيها. (جهنّم الأبديّة)
ولمّا وصل الأبونا إلى طرف الصحراء رأى هُوّةً سحيقةً، فٌوهتها مفتوحةٌ كفوهة البركان ومتّسعةٌ كثيرًا، وكأنها بئرٌ عظيمةٌ تُسيِّجُها جبالٌ من الصخور… وكلّما اقترب رأى الدخان الكثيف يتصاعد، والأصوات تزداد حدّتها، فيزداد الرّعب في قلب سامعها.
هكذا كلّما اقترب من البئر علَت الأصوات، وظهرت ألسنة النار وأعمدة الدخان.
أخيرًا أصبحَت البئر بحرًا من الناس تحترق فيه النفوس الخاطئة.
إنّها جهنّم!!
(تمامًا كرؤيا جهنّم في فاطيما ١٩١٧)إ نّها أتّون من جمر عامر بالنفوس الهالكة المتراكمة فوق بعضها كحجارة مدينة دمّرها الزلزال وأطاح بها الإعصار، والناس فيه يقفزون كالأسماك التي تقفز فوق الأمواج ثمّ تعود إلى حيث كانت.
عندما رأى الأبونا هذا المشهد المرعب كاد ينهار وإزداد خفقان قلبه… وفيما هو سائرٌ في الطريق وجد امرأةً متلفّعة بأثواب الحداد، محنيّة الظهر، تبكي على أعزّاءٍ فارقوا الحياة، أو على وحيدها أو … إقترب منها وسألها:
-على من تبكين؟ أتبكين على أحد أفراد عائلتكِ؟ أم فقدت أعزّاء…؟
قالت: نعم، هنا يتعذّب الفاسدون، الزّناة، الكافرون، المُتكبّرون…
وراحت تَذكر كلّ الرّذائل.
ثمّ ختمت قائلةً:
“وبنات الخلاعة هنا أيضًا” !
فقال لها:
“أرجوكِ يا عذراء، قولي لي هل سيكون مصيري هنا؟ هل أنا في خطر؟”
فقالت له:
“أنا راضيةٌ عنكَ كثيرًا، ولكن إن بدّلت طريقك فستكون هنا”
فقال لها: أنا أغيّر طريقي، هذا غير معقول!
فأجابته: أنا أعرفكَ وأعرف أنّك لن تغيّر طريقك، ولكنّني أحذّرك لئلاّ تكون كالكهنة الفاترين، لئلاّ تكون ككهنة العَصر.
ختامًا أعتذر من الذين سينزعجون من عبارتَي “الكهنة الفاترين” و”كهنة العصر”، ولكنّني لأكون أمينًا في ما أنقُل، وصادقًا في ما أكتب، أراني مُضطرًّا لأقول الحقيقة ولو كانت جارحة وموجعة.
أكرّر اعتذاري من المنزعجين والغاضبين، ولكنّني أنقل ما سمعته حرفيًّا، والله يشهد على ما أكتُب.