فرنسيس هو إبن أحد تجار الأقمشة الأغنياء في مدينة أسيزي الإيطالية، ولد عام ١١٨٠.
في أوّل شبابه كان فرنسيس يعيش حياة الترف.
وقد نال قسطه من التعليم، وإشترك في الحرب بين مدينتهِ أسيزي ومدينة بيروجا، فأُخِذَ فيها أسيراً، عانى خلالها من مرضٍ شديد، ربّما كان أول سبب لبدء تغيير حياته.
مرّة سمع كلام الإنجيل في القدّاس :
"واحدة تنقصك بعد، بِع جميع ما تملك ووزّعه على الفقراء، فيكون لك كنز في السموات، وتعال فاتبعني" (لو: ١٨-٢٢)
فقرّر التخلّي عن كل ثروته وتوزيعها على الفقراء، وقرّر الإهتمام بالمرضى والبرص.
كان لا يخاف من الإقتراب وتقبيل البرص والمرضى الذين كانوا يشفون فوراً، عندما يلمسونه.
لكن هذا الأمر لم يرق لوالده الذي كان يرى أمواله تُنفَق للصدقة، فثار على إبنه طالباً من أسقف أسيزي أن يقف حَكَماً بينهما.
وهناك وفي ساحة أسيزي، خلع فرنسيس ثيابه، وأعطاها لوالده معلناً تخلّيه عن حقوقه البنوية وتكريسه الكامل للآب السماوي.
منذ ذلك الوقت إتَّخذَ لباس النسّاك وإنتقل إلى جبل ممضياً وقته في خدمة الفقراء والبرص.
في عام ١٢٠٩، وخلال أحد القداديس، وبعد أن أصغى إلى إنجيل متى ١٠ / ٥ ـ ١٤ (البشارة والتخلّي) هتف بفرح: “هذا ما كنتُ أريد، هذا ما كنتُ أبتغي بكل قلبي”، فتخلّى فرنسيس عن ثياب النسّاك وقرّر الرحيل دون أي ممتلكات كي يعلن بشارة الإنجيل للجميع.
مرّةً كان يتأمّل المصلوب في خلوةٍ له في الكنيسة، سمع صوتاً يقول له: إذهب ورمّم كنيستي.
قام وجمع التبرّعات وأخذ من وقتها بناء الكنائس المهدّمة، ولكن بعد الصلاة والتأمل أدرك أنّ الربّ قد قصد بـ ”كنيستي”: البشر وليس والحجر.
ففهم أنّ الناس هم الذين بحاجة إلى مساعدته.
بعد أن عاد إلى أسيزي وبدأ التبشير بالإنجيل متجولاً، تجمَّع حوله عدد من الشبَّان الذين تأثَّروا بنمط حياتهِ وبقداستهِ، فتمثَّلوا به تاركين كل شيء من أجل اتّباع المسيح.
في عام ١٢١٠، ذهبت الجماعة الجديدة إلى روما لمقابلة البابا إنوشينسيوس الثالث الذي وافق على طلبهم في عيش نمط الحياة هذا (مع العلم بأن الرهبان في ذلك الوقت كانوا جميعهم نسّاكً في الأديرة).
وهكذا وُلِدَت الرهبنة الفرنسيسكانية الأولى.
وفي عام ١٢١٢ وبعد أن سمعت كلارا الأسيزية عظة فرنسيس قرّرت هي أيضاً أن تترك كل شيء لتعيش فضيلة الفقر لأجل ملكوت الله، وهكذا نشأت الرهبنة الفرنسيسكانية الثانية، أو راهبات القديسة كلارا.
حصلت على يده الكثير من الأعاجيب والشفاءات، منها أنه كان يتكلّم مع الطيور والحيوانات ويخبرها عن الله، ويدعوها إلى أن تمجّده وتشكره، ولم تكن تبتعد عنه إلاّ بعد أن تنال بركته…
في عام ١٢١٢ سافر فرنسيس إلى الأراضي المقدّسة.
بعد سنتين عاد فرنسيس إلى إيطاليا لكنه وجد الجماعة منقسمة وقد ظهرت فيها خلافاتٍ حادة حول طبيعة الروحانية التي كان من المفترض عيشها؛ ففضَّل أن يستقيل من مهمَّته كخادم عام للرهبنة.
في أيلول (سبتمبر) عام ١٢٢٤ إعتزل فرنسيس في جبل “فيرنا” ليُصلّي، وبعد صوماً دام أربعين يوماً، نال من الله نعمة سمات المسيح المصلوب أي الجروح المقدّسة في يديه ورجليه وجنبهِ، وقد بقيت حتى وفاته بعد سنتين.
بعدها نُقِلَ فرنسيس إلى أسيزي حيث مكثَ هناك، قاضياً آخر فترة من حياته بعناء المرض وقد فقد بصره.
وقبل موته طلب من رهبانه أن يذهبوا به إلى كنيسة سيدة الملائكة هناك حيث إكتشف الدعوة الإنجيلية للمرة الأولى، وأن يضعوه عارياً على الأرض العارية ليشابه المسيح الفقير والمصلوب في موته بعد أن كان شبيهاً له في حياتهِ، وهناك في جوٍ من التقوى الممزوجة بالألم والعزاء إنتقل الأب القديس إلى السماء في يوم ٤ تشرين الثاني (اكتوبر) من عام ١٢٢٦.
أعلن قداسته البابا غريغوريوس التاسع بعد عامين من وفاتِهِ.
في عام ١٢١٤ كتبَ فرنسيس “نشيد الخلائق” الذي يُعتَبَر أحد الوثائق الأكثر أهمية في تاريخ الأدب الإيطالي، حيث يُرجِع المؤرخون إليه بوادر نشوء هذا الأدب.
وهو عبارة عن نشيد نثريّ فيه يدعو القديس كل الخلائق لتسبيح الخالق.