"في ذلِكَ الوَقْت ظَهَرَ يسوع وقَد أَتى مِنَ الجَليلِ إِلى الأُردُنّ، قاصِداً يُوحنَّا لِيَعتَمِدَ عن يَدِه".
لا يحتاج يسوع إلى معمودية يوحنا، لكنه خضع لفرائض الشريعة منذ ولادته مرورواً بتقدمته للهيكل وختانه، ثم بعد ذلك صعوده إلى العيد في كل سنة وجلوسه بين علماء الشريعة في الهيكل وخضوعه لمعمودية التوبة على يد يوحنا المعمدان في نهر الأردن.
خضع يسوع طائعاً لكل فرائض الشريعة في البداية وتحرّر منها على الصليب، قبلها كنظامٍ أرضي وكمّلها لتلامس السماء.
خضع لكل شيء وغير كل شيء، ونحن اليوم ننتقد كل شيء ولا نفعل أي شيء وبالتالي لا نغيّر أي شيء نحو الأفضل والارقى لا بل نساهم في انهيار الإنسان وعرقلة مسيرة نموه ليبلغ ملء قامة المسيح.
"دعْني الآنَ وما أُريد".
قال يسوع "الآن" لأن إرادته تتحقق حين يعمل حسب إرادة ومشيئة الله " لاتكن مشيئتي بل مشيئتك".
الوقت الحاضر هو المجال الوحيد لتحقيق إرادة الله، لأن الماضي ليس بيد الإنسان والمستقبل القريب والبعيد أيضاً.
لكن إرادة الله لا تتحقق "الان" في حياتنا دون معمودية.
إتخذ يسوع في معموديته على يد يوحنا صورة العبد، فشهد له الاب أنه: "إبنه الوحيد"، ساوى نفسه بالخاطئين فحلّ عليه الروح القدس، إنحدر متواضعاّ الى نهر الأردن فرفعه الرب إلى أعلى السموات.
خرج نظام العبودية في العالم من القوانين والدساتير إلى حد ما، ولكن دخل في العقول والنفوس وأخضع إرادة الإنسان لكل الشهوات التي تولد الشقاء والموت.
"فهكذا يَحسُنُ بِنا أَن نُتِمَّ كُلَّ بِرّ".
لم يُضِف: بِرّ الشريعة أو النظام الطبيعيّ لكي نفهم معنى الاثنين. فإن كان الله قد نال المعموديّة من إنسان، فلا يعتبر أحد نفسه غير مستحقّ أن يَقبلها من رفيقه في الإنسانية.
"فإِذا السَّمَواتُ قدِ انفتَحَت فرأَى رُوحَ اللهِ يَهبِطُ كأَنَّه حَمامةٌ ويَنزِلُ علَيه ..." إنّه سرّ الثالوث الذي ظهر في هذه المعموديّة.
الرّب يسوع قَبِل العماد، والرُّوح القدس هبط على شكل حمامة، وسمعنا صوت الآب الذي شهد لابنه.
إنّ السماوات قد انفتحت، ليس لأنّ العناصر منفصلة عن بعضها، ولكنها انفتحت أمام أعيننا الرّوحيّة، تلك الأعين التي رأى حزقيال من خلالها السموات مفتوحة أيضًا، (راجع حز 1: 1).
وقد جاءت الحمامة لتستقرّ على رأس الرّب يسوع حتّى لا يظنّ أحد أنّ كلمة الآب كانت موجَّهة إلى يوحنّا وليس إلى الرّب يسوع.
(القدّيس هيرونيمُس)
أعطنا يا رب موهبة الروح القدس لنتمم مشيئتك في حياتنا "الان" وإلى ساعة موتنا. آميـــــــن.
نهار مبارك
/الخوري كامل كامل/