زار الجوع بيوت الكثيرين بيننا في الآونة الأخيرة، وهو زائرٌ ثقيل الدمّ لا يُطاق ولا يرحم.
لا يستأذن الدخول ولا ينتظر أحد ليفتح له الأبواب، بل يتغلغل في حنايا المنزل كالسارق، يستبيح الكرامات من كل صوب، يستهين عزة النفس لا بل يطرحها أرضاً ويتركها في عزلة قاتلة تستجدي لقمة الخبز...
رأيت تلك العزة تنهار من على جبين رجل زرته مطمئناً الى حاله، فقال :
"تسألني عن حالتي وأنا وزوجتي وأولادي لم نذوق اللحم منذ عدة أشهر".
فإنهمرت من عينه دمعة أحرقت قلبي قبل وجنتيه.
هنا سيسأل الكثيرين ماذا فعلت أمام هذا المشهد المأساوي؟! لا يهمني ماذا فعلت، فمهما فعلت هو بيني وبين ربي، لكن ما يهم هو لماذا وصلنا الى هذه الحالة؟ وما العمل للخروج من تلك المأساة؟!!
طبعاً حل الأزمة الإقتصاديّة ليس بيدنا، لكن لنسمع وصية الرب ونعمل بها "اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ" إن كان الله يُطعم الطيور ويقدّم القوت اليومي للعصافير لا يترك من وضع ذاته بين يديه في عوز إلى مشرب أو مأكل، ألم تطعم الغربان إيليّا في البرّيّة؟ ودانيال أُعد له لحم من السماء وهو في الجب، فهل نخشى الاحتياج إلى طعام؟ ونهتم مَاذَا نَأْكُلُ؟ أَوْ مَاذَا نَشْرَبُ؟ أَوْ مَاذَا نَلْبَسُ؟
لا تعني دعوة الرب هذه استسلاماً أو هروباً بل مواجهة في وسط المعركة، يقودنا الله إلى الإنتصار على القلق والخوف ومن ثم الوصول إلى حياة حرّة التي لا تأسرها محبّة المال، فيعيش الإنسان في كمال الحرّية متّكئًا على الله لا المال..
ها نحن يا رب وسط الأزمة في قعر الإنهيار نصرخ إليك طالبين الرحمة مقتنعين أن "الْحَيَاةُ أَفْضَلَ مِنَ الطَّعَامِ، وَالْجَسَدُ أَفْضَلَ مِنَ اللِّبَاسِ" طالبين ملكوتك أولاً عالمين أن الباقي يزاد لنا.
فَلن "نهتم لِلْغَدِ، لأَنَّ الْغَدَ يَهْتَمُّ بِمَا لِنَفْسِهِ. يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّهُ.."
صوم مبارك
/الخوري كامل كامل/