قالت مريم للملاك: " ها أنا خادمة للرب فليكن لي كما تقول"وأنا اليوم ماذا أقول؟ هل الله هو سيدي بالمطلق؟ هل أسلمه القيادة في حياتي؟ أو أنني أسلم إرادتي لأسياد آخرين؟ هل أفعل ما يقول؟ أو أقول وأحفظ كلامه باللسان أما عملي وعقلي واهتمامي في مكان آخر؟!!وافقت مريم أن تفعل مشيئة الرب يوم البشارة واستمرت هكذا تفعل ما يقول في كل المحطات وبقيت أمينة حتى في اللحظات الخطيرة. ونحن اليوم نتطوع لمشروع الحب، مشروع المعلم، بالعلن وربما نخدم مشاريع أخرى في السر..نعيش إزدواجية الانتماء وازدواجية السلوك.
في لبنان نكرم العذراء مريم بشكل استثنائي، والاستثناء أن المسلمين والمسيحيين يكرمونها، وكرّسوا لها عيداً وطنياً في الخامس والعشرين من شهر أذار من كل سنة وهي سابقة تاريخية.
فإذا كانت العذراء هي مثالنا وشفيعتنا وإليها نتوق وهي الطاهرة والنقية والبريئة من دنس الخطيئة الأصلية، فلماذا كل هذا الفساد والخراب والكذب وانهيار كل شيء في بلدنا؟! لماذا كل هذا الموت لأحلامنا؟! لماذا الانحدار الإرادي نحو الجحيم؟! ولماذا السقوط المدوّي للكرامات؟!
جوهر البشارة هو قبول مريم وطاعتها فكانت ثمرة تلك الطاعة ولادة يسوع، فلو كانت مريم هي قدوة سلوكنا في القبول والطاعة والخدمة، لماذا ثمرة حياتنا أشواكٌ جارحة وسموم قاتلة؟!!
"فدخَلَ إليها المَلاكُ وقالَ لها السَّلامُ علَيكِ، يا مَنْ أنعمَ اللهُ علَيها. الرَّبُّ مَعكِ" يؤمن الجميع أن مريم ممتلئة نعمة والرب معها، وهي مثال الام المنزهة عن كل الخطايا البشرية.
فإذا كنا نعترف بأمومتها الفائقة القداسة، فنحن اذا أخوة على مختلف مذاهبنا وأدياننا وانتماءاتنا، فلماذا التناحر بين الاخوة؟
الأخوة يختلفون ولكنهم لا يتقاتلون، واذا اختلفوا لا تغيب الشمس على خلافهم.
الأخوة يحملون آلام بعضهم ويبكون لبكاء بعضهم ويفرحون لفرح بعضهم وهم في جهاد مستمر لتحقيق العدالة لبعضهم لا بل الرحمة لا بل الحياة... فأين الحياة عند أبناء مريم؟!!مريم هي معنا اليوم لنتابع مسيرة الحياة، بالرغم من كل وجوه الموت الاسود وبشاعة وجوه الذين يرفضون أن تكون لنا الحياة.
إن " النعم " التي قالتها مريم للملاك لا زالت تفعل فعلها لتبعث الحياة في قلوب الملايين منتصرين معها على الالم وثقافة الموت لخلاص الانسان.
يا أمّنا مريم، إليك نرفع شكوانا من جرحٍ أصاب وطننا في القلب، والنزف بلغ الحدّ الفاصل بين الموت المحقق والانبعاث العجائبي، يا مريم العذراء بنت شعبنا وعائلاتنا وشفيعة بناتنا وصبياننا وآبائنا وأمهاتنا، نضع بين يديك الطاهرتين مستقبل بلدنا الجريح وهو في فم الوحش، لكنّه ينظر إليك أن ترفعي شكواه إلى يسوع ابنك ووحيدك أن يُخلّصه من أيدي الأعداء الظالمين في الداخل والخارج. آمـــــــــــين.
عيد مبارك
/الخوري كامل كامل/