المقصود هنا باليونانيين ليسوا الأمم عبدة الأوثان، ولكنهم إما من الأمم المتهودين، أو اليهود الذين عاشوا لفترة طويلة في بلاد اليونان، وقد صعدوا لأورشليم لتقديم الذبائح في الهيكل، والاحتفال بالفصح. ونفهم أن ما سمعوه عن شخص الرب يسوع ومعجزاته وتعاليمه، كان سبب بحثهم عنه إلى أن استدلوا على أحد تلاميذه، وهو فيلبس، الذي أبلغ بدوره أندراوس، وذهب كلاهما للمسيح لإطلاعه على رغبة اليونانيين.
إجابة المسيح هنا كانت للتلميذين، وكذلك لليونانيين والجمع المستمع، وكانت بداية التنبؤ بقرب الخلاص الذي يقدمه المسيح.
ولما كانت أفكارهم محصورة في الملكوت والمجد الأرضى، بدأ المسيح حديثه بما هو في أذهانهم، ليرفعهم للفهم الروحي.
وتعبير "ليتمجد ابن الإنسان"، معناه إعلان مجده الأول السمائي، الذي كان مخفيا بالتجسد.
وطريقة إعلان هذا المجد هي الصليب، ثم القيامة، فالصعود.
هنا توضيح لطريقة تمجيد ابن الإنسان، فاستخدم السيد المسيح هنا مثلا بحبة القمح التي تشير إليه في تجسده، فكل مجد وقيمة هذه الحبة في أن تدفن في التربة ويكتنفها موت الأرض، فالذى يراه الناس موتا لحبة القمح، هو مصدر الحياة نفسها، إذ سوف تقوم وتحيا من موتها.
وعند قيامها، فهي مصدر الشبع والحياة لكل من يقتات بها.
وهذا ما أراد أن يوضحه المسيح للجموع، بفاعلية موته ومنحه الخلاص لكل من يقبل فدائه على الصليب، ويأكل جسده في التناول.
بعد أن تحدث المسيح عن نفسه، يوجه تعليما روحيا عاما، يعتبر من قوانين الحياة المسيحية، فكل ارتقاء لمستوى روحي أعلى، يتطلب خسارة في الماديات، وهي الأقل، فالحياة الأبدية بكل مجدها وبهائها، تتطلب التضحية بكل ما يعيق الوصول إليها.
فإذا كان الجسد، أو شهوات النفس المختلفة، تربط الإنسان بالعالم وتفقده السماء، فعلى الإنسان إذن أن يقاوم، بل ويضحي بأي شيء، حتى حياته نفسها، من أجل الميراث الدائم والأبدي؛ وهذا ما قصده السيد المسيح بكلمة "يهلكها".
وهذا الإيمان هو ما جعل أباؤنا الشهداء القديسون يُقْدِمُونَ على الموت بمنتهى الشجاعة واللامبالاة من سطوة الحكام؛ فمن يضع الحياة الأبدية نصب عينيه لا يخشى شيئًا.
/خادم كلمة الربّ/