على مدار ٣٠ عاماً منذ إكتشاف البرق المعكوس، لم يتمكن العلماء من تفسيره إلاّ مؤخراً.
(مرصد جيميني – ويكيميديا كومونز)
البرق لا يأتي فقط من السماء إلى الأرض، ولكنه أيضاً قد يصعد من غلاف الأرض إلى السماء، ففي ٢٠ يناير/كانون الثاني الجاري نشرت دورية نيتشر (Nature) دراسة تفسّر ظاهرة البرق المعكوس التي تم إكتشافها للمرة الأولى عام ١٩٩٠.
منذ ٣٠ عاماً لم يتمكن العلماء من تفسير تلك الظاهرة إلى أن قام فريق من الباحثين بقيادة الفيزيائي تورستن نيوبيرت من الجامعة التقنية في الدانمارك (Technical University of Denmark) بحل ذلك اللغز، وفقا للتقرير المنشور على موقع "ساينس ألرت" (Science Alert).
النفاثات الزرقاء :
لطالما كان البرق أحد أروع ظواهر الطقس وأكثرها غموضاً.
فعلى الرغم من أنّ العواصف تحدث بشكل منتظم، فإننا ما زلنا نكافح لفهم وتوصيف تفاعلات الشحنات الكهربائية المتولدة في السماء.
في لقطة فيديو من مكوك فضاء تابع لناسا إكتشف الباحثون عام ١٩٩٠ نوعاً غريباً ونادراً من البرق والذي وصفت حركته بأنها شبيهة بـ"حركة الصواريخ" لتسمى لاحقاً بـ "النفاثات الزرقاء" (Blue jets).
والتي عرفت على أنها ومضات ضوئية لامعة تدوم بضع مئات من الألف من الثانية، حيث يتدفق البرق صعودا من السحب إلى طبقة الستراتوسفير (stratosphere) "ثاني طبقات الغلاف الجوي".
ومؤخراً، تمكّن مرصد محطة الفضاء الأوروبية المجهز بأجهزة إستشعار ضوئية ومقاييس ضوئية وكاشفات لأشعة غاما والأشعة السينية من تسجيل ٥ ومضات زرقاء في أعلى سحابة عاصفة، إنتهت إحداها بخط نفاث أزرق إرتفع عالياً في الستراتوسفير.
ويرجّح الباحثون أنّ النفاثات الزرقاء تبدأ عندما تلتقي قمة سحابة موجبة الشحنة بطبقة هوائية علوية سالبة الشحنة عند حدودها. الأمر الذي يؤدي إلى تشكيل قناة موصلة غير مرئية للهواء المُؤَيَّن الذي ينتقل خلاله البرق.
وفي ٢٦ فبراير/شباط ٢٠١٩، سجّل مرصد تفاعلات الغلاف الجوي والفضاء (ASIM) ومضات ٥ زرقاء، يبلغ طول كل منها حوالي ١٠ ميكروثانية، في الجزء العلوي من سحابة عاصفة قريبة من جزيرة ناورو في المحيط الهادئ.
وقد أنتجت إحدى هذه الومضات نفاثا أزرق وصل إلى طبقة الستراتوبوز (Stratopause) ما بين الستراتوسفير (stratosphere) والأيونوسفير (Ionosphere).
وقد كان ذلك على إرتفاع يقارب ٥٠ إلى ٥٥ كيلومتراً على شكل شرارات متفرعة متلوية تنطلق من مصادر الجهد العالي، وفق تفاعل متسلسل لجزيئات الهواء المؤينة.
أكثر شيوعاً ممّا نظن :
هذا، وقد سجّل المرصد ظواهر جوية تسمى بـ"إلفيس" (ELVES)، وهي اختصار لما يعرف بـ"إنبعاث ضوئي مصاحب لإضطرابات التردّد الأصغري بسبب مصادر النبض الكهرومغناطيسي".
وهي عبارة عن حلقات متوسّعة من الإنبعاث الضوئي والأشعة فوق البنفسجية في طبقة الأيونوسفير التي تظهر فوق غيوم العاصفة والتي تدوم ملي ثانية فقط أو نحو ذلك.
ويعتقد بأنها تتولد عن نبضة كهرومغناطيسية ناجمة عن تفريغ البرق في عمق طبقة الأيونوسفير.
ويرى الباحثون أنّ تلك الومضات تشبه الأحداث ثنائية القطب ذات النطاق المحدود والتي يتم فيها تفريغ الترددات عالية الطاقة التي تحدث داخل السحب أثناء العواصف الرعدية، والتي تسفر عن حدوث البرق داخل السحابة.
كما يرون أن الومضات الزرقاء في قمم السحب قد تكون -على الأرجح- المكافئ البصري لهذه الظاهرة، والتي يمكن أن تتطور بدورها إلى نفاثات زرقاء.
وهكذا وبالنظر إلى مدى شيوع الأحداث ثنائية القطب محدودة النطاق، يمكن أن نقول إن تلك الومضات الزرقاء هي بالفعل أكثر شيوعاً مما كنا نظن.
والأهم هو أن ندرك جيداً أنّ التعمّق في معرفة مدى إنتشار وحدوث هذه الومضات الزرقاء يمكن أن يعزز فهمنا لآلية حدوث العواصف وجميع التفاعلات المعقدة في الغلاف الجوي.
المصدر : الصحافة الأسترالية