كان ذلك نهار الأحد ١٨ كانون الثاني ٢٠٢١ عندما توجّهت إلى مستشفى أوتيل ديو بسبب ضيق في التّنفّس وبسبب إصابتي بكوفيد 19.
على مدخل الطّوارئ كان الاستقبال ثمّ قرار الموافقة بالدّخول، و هنا أوّل إشارة من الله لأنّ استقبال مريض كوفيد مستحيل في تلك الآونة.
بعد عدّة فحوصات وصورة شعاعيّة للصّدر تقرّر قبولي بالدّخول إلى المستشفى شرط البقاء في قسم الطّوارئ بانتظار الحصول على غرفة.
وفي اليوم التّالي حصلت على غرفة، ولكنّ الأمور تضاغفت نحو الأسوأ فجأةً، و تمّ نقلي إلى قسم العناية الفائقة – كوفيد 19 وأصبحت أسيرة الأنابيب (intubation)، فاقدة الوعي، لا حول لي.
بعد يومين يرنّ الهاتف فجرًا ليعلموا زوجي وعائلتي بأنّني، وبكلّ أسفٍ، لا أتجاوب مع العلاج، وبأنّ نسبة عودتي إلى الحياة ضئيلة، إن لم تكن مستحيلة، لأنّ الرئتين في خطر بالإضافة إلى تقطّع في القلب، وسيكون لديهم الفرصة الأخيرة لرؤيتي.
هنا لم يتقبّل أحد من أفراد العائلة، ولا حتّى من الأصدقاء هذه الفكرة فانطلقت الصلوات الموحّدة ((union de priere والقداديس ومسبحة الورديّة على نيّة شفائي في كلّ أنحاء لبنان، حتّى خارجه أيضًا. مع الصلاة استقرّت حالتي، ولكن الخطر ما زال محدقًا.
وبعد ستّة أيّام من حالتي المستقرّة أجد نفسي داخل نفقٍ مظلمٍ لا مخرج له، ورحْتُ أصرخ:" أخرجوني أنا أختنق".
رحت أسير وأسير في العتمة حتّى شعرتُ بقوّةٍ هائلةٍ تخرجني من الوراء وتضعني في النّور. عرفتها... إنّها مريم العذراء، وجهها كان نورًا عظيمًا، ثوبها أبيض فيه خيوط ذهبيّة، فصرخت لها: "ساعديني، أنا أختنق" لم تتكلّم، بل أنا الّتي كانت تتكلّم وتعترف لها بأشياء عديدة وتطلب منها المساعدة، وامتزج نورها بنور غرفة العناية، وسمعت صوتًا يقول لي: ماريّا هل تسمعينني؟ اضغطي على يدي. ماريا تنفّسي". أجل عدْتُ إلى الحياة ولكن بفضل العذراء. وهذه هي الإشارة الثانية من الله.
وفتحت عينيّ وبدأ العذاب الثاني، عذاب الصراع مع التنفّس. لم يكن باستطاعتي الكلام، فكتبت على اللوح:" أنا أختنق".
عدْتُ من الموت ولم أكن أعرف خطورة وضعي إلا لاحقًا عندما تحسّنت فعلمت بالحقيقة.
الوضع في العناية الفائقة صعب جدًّا، اليدان مكبّلتان خوفًا على الأنابيب، الأنف فيه آلة تنفّس، والفم أنابيب عديدة، والقلب شرائط كثيرة، فبتّ لا أعرف نفسي. سألت عن وضعي كتابيًّا على اللوح فقالت لي الطبيبة:" لا تسألي. أين كنْتِ وأين أصبحتِ؟ أنتِ شجاعة وبطلة" فكتبت لها على اللوح: "أنا شجاعة ولكن مع العذراء. هي الّتي أرجعتني".
وبعدها طلبت مسبحة الورديّة وصورة لولديّ فتمّ ذلك. ومنذ تلك الآونة والمسبحة في يدي. أنا فتاة مؤمنة، أمارس عاداتي المسيحيّة، أصلّي ولكن ما حصل معي غيّر حياتي كلّيًّا. فقد باتت المسبحة رفيقتي الدائمة أكرّس لها وقتًا بعدما كنت أتلوها عندما تدعو الحاجة. أصبحت الصلاة لذّةً بعدما كانت واجبًا.
تحوّلت حياتي من إنسان يصلّي وقت الفرح أو الحزن شاكرًا الله، إلى إنسان يعتبر الصلاة جزءًا من حياته اليوميّة، يجب أن يكرّس لها وقتًا شأنها شأن الطعام والعمل واللهو... والإشارة الثالثة الّتي أظهرت بأنّ يد الله تعمل في كلّ شيء، عندما طُلب منّي مشاهدة التلفاز كيلا أشعر بالملل فسمعت الإنجيل الّذي يقول فيه الربّ يسوع :" شعور رؤوسكم أيضًا جميعها مُحصاةٌ. فلا تخافوا! أنتم أفضل من عصافيرَ كثيرةٍ". شعرْتُ بأنّ الإنجيل موجّه إليّ شخصيًّا، فتسلّحْتُ بالإيمان والصّلاة وقرّرت المضي قدمًا. كانت الساعة دهرًا في العناية، ومذ فتحتُ عينيّ وأنا أسمع كلمة:" ماريّا تنفّسي".
وبكلّ صراحة لم أعد أعرف كيف أتنفّس. وصلت إلى وقتٍ لم أعد أشعر معه بالقوّة.
ولكنّ إرادة الحياة والبقاء كانت أقوى. فرحت أفكّر بولديّ وكلّ نفسٍ أتنشّقه كنت أقول :" هذا النفس لروني، وهذا النفس لغبريال" وهكذا أمضيت 24 ساعة لمدّة 6 أيّام في شهيق وزفير، ومعركة طاحنة مع التنفّس والأوكسيجين.
كان الفريق الطبّيّ غير مصدّق لما يحصل، وكلّ من يدخل غرفتي في العناية يقول لي:" أنتِ بطلة وقويّة الإرادة" وكنْتُ أكتب:" أنا قويّة بفضل العذراء".
واستطعت بعد ٢١ يومًا في العناية الفائقة أن أغلب الكورونا بعناية إلهيّة.
وأصبحت في غرفة مع صراع متواصل للتخلّي عن الأوكسيجين.
حتّى خرجت من المستشفى في ٨ شباط ٢٠٢١.خرجت من هذه التجربة و مسبحة الورديّة في يدي، مقدّرةً نِعَم الله، شاكرةً القدّيسين على عجائبهم، ممتنّةً لكلّ فردٍ قدّم صلاته من أجل شفائي، آسفةً لما سبّبته لعائلتي وزوجي من خوفٍ وقلقٍ ودموعٍ لم تتوقّف إلاّ بعد رؤيتي في البيت.
/ماريّا أشقر حدّاد/
١٩ شباط ٢٠٢١