كان بونيفاسيوس من روما، قيِّماً لإمرأة رومانيَّة شريفة وغنيَّة إسمها أغلايس، عاشا معاً زماناً حياةً مشكَّكة، لكنَّهما كانا يُحسِنان إلى الفقرء ويغيثان الغرباء.
وبهذا الصنيع الحسن نظر الله إليهما بعين الشفقة، فما عتمت أغلايس حتَّى فاقت من سكرتها فمسَّت النعمة قلبها وأنارت عقلها فظهرت لها فظاعة آثامها وأيقنت أنَّ الدنيا بملاذها وغناها باطلة زائلة، فعزمت على التوبة الصادقة وباعت ما عندها من ثياب فاخرة وجواهر وحُليّ ثمينة ووزَّعت ثمنها على الفقراء والمحتاجين، ودفعت بونيفاسيوس إلى الإقتداء بها.
فتاب مثلها وسارا في طريق البرّ والقداسة.
فقالت له أغلايس :
"قد طالما أغظنا الله وشكَّكنا القريب فلا بدّ لنا من التكفير عن حياتنا الماضية.
وبمَا أنَّ ديوكلتيانوس يضطهد المسيحيِّين في الشرق وقد إستشهد كثيرون منهم، قُم وامضِ إلى طرطوس، حيث الإضطهاد قائم، وخُذ معك من المال والرجال ما شئت لمساعدة المُضطَهَدين، وإئتنا بذخائر بعض الشهداء فتكون لنا عوناً على أعمال التوبة والقداسة".
فسار بونيفاسيوس مزوَّداً بالمال والخدم.
ولمَّا وصل إلى طرطوس، مضى توًّا إلى محل العذاب فوجد الجنود يُعذِّبون عشرين مسيحيًّا أعذبة مختلفة، والشهداء صابرون يشكرون الله.
فأخذ يُقبِّل كلومهم ويتبرَّكُ بدمائهم ويطلب منهم أن يشفعوا فيه لدى الله.
فقبض عليه عامل الملك وسأله من هو، فأجاب، بكل جرأة :
"أنا مسيحي والمسيح سيِّدي وربّي".
فغضب الوالي وقال له :
"عليك أن تسجد للأصنام وإلَّا أُنزِل بِكَ أمرَّ العذاب".
فقال القدّيس :
"لستُ أسجد للشياطين ولا أبالي بعذاب".
فأمر الوالي أن يُعلَّق مُنكَّساً وأن يُكوَى جسمه بحديد محميّ.