دخل الدير في الثانية عشرة وسار سيرة النسك، عاكفاً على التقشّف والصلاة.
وكان يتوق إلى رؤية القدّيس سمعان العمودي الذي طبَّقت شهرته الآفاق فرآه ونال بركته.
وأخذ يواصل جهاده إلى أن توفي رئيس الدير، فأجمع الرهبان على إنتخابه رئيساً.
أمّا هو فإعتذر وفرّ إلى مرشده سمعان العمودي، وبحسب مشورته سار إلى القسطنطينيّة متزوّداً ببركته.
هناك إنعكف على الصلاة والتأمل وتلاوة المزامير حتى بلغ أسمى درجات القداسة، فمنحه الله صنع المعجزات فذاع صيته وتوافدت إليه الناس.
وفي السنة ٤٦١ مات القدّيس سمعان العمودي، وكان قد بعث بردائه إلى تلميذه دانيال، فقبله أثمن هدية.
وبإلهام الله إتخذ طريقة أستاذه القدّيس سمعان، فبنى له عموداً بالقرب من القسطنطينيّة، وصعد عليه معرَّضاً لحرِّ الصيف وبرد الشتاء، فأيَّده الله بنعمته، وبقي مثابراً على تلك الحياة الشاقّة مدة ثلاثين سنة.
فكان يرشد الجماهير ويشفيهم من أمراض النفس والجسد.
وطلب الكثيرون أن يتتلمذوا له، فبنى لهم الملك لاون قرب العمود ديراً يقيمون فيه جميع فروضهم الدينيّة.
رسمه البطريرك أجناديوس كاهناً وفوَّض إليه إقامة الذبيحة الإلهيّة على ذلك العمود.
وفي سنة ٤٧٦ ألحَّ عليه البطريرك والأساقفة أن ينزل عن عموده ويأتي القسطنطينيّة ليدافع عن الإيمان الكاثوليكي فأطاع إشارة البطريرك وجاء إلى القسطنطينيّة حيث هرعت المدينة تطلب بركته وتصغي إليه بكل خشوع.
وكانت له المنزلة الكبرى والمحبة في قلوب الجميع.
وكلّما إزداد كرامة بين الناس، إزداد تواضعاً أمام الله.
وعاد إلى عموده يتابع تقشّفاته ويُعنى بإرشاد تلاميذه إلى أن صار إبن ثمانين.
وقبل وفاته إحتفل بالذبيحة الإلهيّة ووزَّع القربان الأقدس على جميع الحاضرين ورقد بالرب نحو سنة ٤٨٩.