وفي السنة ٣١١ ثار الإضطهاد بشدّة على المسيحيّين، فهبَّت نار الغيرة في قلب أنطونيوس فسار إلى الإسكندريّة يشدّد عزائم الشهداء ويرافق المسيحيّين إلى المحاكم ويشجّعهم على الثبات في الإيمان.
ولمّا خمدت نار الإضطهاد، عاد إلى صومعته يتابع حياته النسكيّة.
ومنَّ الله عليه بموهبة شفاء الأمراض وطرد الشياطين، فتقاطر الناس إليه أفواجاً فخاف من روح الكبرياء، فهرب إلى بريَّة تيبايس العليا.
وبعد أن عثر رهبانه عليه زار أدياره وحثَّ الرؤساء والرهبان على مواصلة السير في طريق الكمال، وعاد إلى خلوته.
محثمّ زار القدّيس بولا أوّل النسّاك كما ذكرنا في ترجمة هذا القدّيس.
وفي السنة ٣٢٥ إزدادت هرطقة الآريوسيين تفشّياً في الإسكندريّة، فدعاه القدّيس أتناسيوس إليها فلبَّى أنطونيوس الدعوة، رغم كبر سنّه، فخرجت المدينة لإستقباله.
فأخذ يحذِّرهم من الهرطقة الآريوسية، ويبيِّن لهم أنَّ المسيح إله حق وإنسان حق.
ثم عاد إلى جبله.
وكانت له المنزلة الكبرى لدى العظماء والملوك، لا سيّما الملك قسطنطين الكبير الذي كتب إليه يطلب صلاته وشفاعته.
وفي المرحلة الأخيرة من حياته، زار أديرة رهبانه محرِّضاً الجميع على الثبات في طريق الكمال.
ورقد بسلام في ١٧ ك٢ سنة ٣٥٦ وله من العمر مئة وخمس سنين.
من تركته الروحيّة سبع رسائل شهيرة كان قد وجّهها إلى بعض أديرة المشرق.
وقد نقلت من القبطيّة إلى اليونانيّة واللاتينية وطبعت مندمجة بين تآليف الآباء.
وحسبنا أن نذكر المناسك والنسّاك الكثر الذين إقتدوا به متّخذين طريقته في لبنان.
وما وادي قاديشا، ودير مار أنطونيوس قزحيا التاريخي الشهير بمعجزاته في طرد الشياطين إلاّ دليل على ما لهذا القدّيس من الشفاعة لدى الله ومن الثقة والكرامة في قلوب اللبنانيين.
والرهبانيّات المارونيّات الثلاث أبت إِلاّ أن تدعى بإسمه المبارك منذ نشأتها وأن تتّبع طريقته النسكيّة.
ولذلك حقّ له أن يُدعى "كوكب البريّة" ومجد الحياة الرهبانيّة وشفيع الجماعات والأفراد في كل مكان وزمان.