تثقّف ثقافة عالية فإختاره الملك هرقل رئيساً لكتبة ديوانه ووزيراً من وزرائه.
أمّا هو فلم يكن ليطمع في أمجاد الدنيا، فعافت نفسه الأباطيلَ وترك منصبه ووزراته وآثر العزلة في ديرٍ قريب.
وهناك عكف على الصلاة والتأمّل حتّى تفوَّق في طريق القداسة.
فإنتخبه الرهبان رئيساً.
فقام يسوسهم بحكمة وتفانٍ، ويسير أمامهم في جميع الوجبات.
وفي تلك الأثناء كانت هرطقة المونوتليين القائلين بالمشيئة الواحدة تعيث فساداً في الكنيسة الشرقيّة اليونانية.
فقام صفرونيوس بطريرك أورشليم يكافحها ويبيِّن ضلال القائلين بها، وإندفع الرئيس مكسيموس أيضاً يدحضها بخطبه وبما أوتيه من غيرة وعلم زاخر.
ثمّ ذهب إلى روما يَعرض الأمر للبابا مرتينوس الأول.
فعقد البابا مجمعاً في كنيسة اللاتران سنة ٦٤٩ وحرم البدعة وكل القائلين بها.
بلغ خبر المجمع إلى القسطنطنية، فقام زعماء البدعة يسعون بالقدّيس مكسيموس لدى الملك كونستان، فأرسل مَن قبض عليه وجيءَ به مخفوراً إلى القسطنطنية.
وبعد أن أوسعوه إهانة وشتماً قادوه إلى السجن.
وحاول الملك أن يتملّقه بالوعد ويتهدّده بالعذاب، فأجاب بكل جرأة :
"إنّ صوت الحق يأبى السكوت أمام الباطل".
عند هذا الجواب أمر بنفيه وبقطع يده اليمنى ولسانه.
فذهب إلى منفاه في خرسان، مستسلماً لمشيئة الله.
ويَروي كاتب سيرته أنَّ الله منحه النطق بأعجوبة باهرة، فظلّ، وهو في منفاه، يُرشد النفوس في طريق الخلاص ويغذِّيها بروح المحبة والإيمان الصحيح، إلى أن رقد بالربّ شهيد الواجب سنة ٦٦٢.