وإستمرّ على هذه الحال ثلاثاً وخمسين سنة، حتّى بلغ شوطاً بعيداً في طريق الكمال.
وكان خير مرشد للرهبان، يسيرون بحسب تعاليمه ويأخذون بنصائحه الأبويّة.
وفيما كان يفكر يوماً في طريقة أخرى تزيده رقيّاً في الفضيلة والقداسة، ويسأل الله أن يهديه إليها ، سمع صوتاً يدوي في داخله قائلاً : "يا زوسيما، أترك ديرك وإذهب إلى دير على ضفاف الأردن ، حيث ترى من الفضائل والعظائم ما تصبو إليه نفسك".
ولساعته توغل في البراري حتّى وصل إلى الدير الذي أوحي له أن يقيم فيه، فوجده آهلاً بعدد وافر من الرهبان، يدأبون في أعمال النسك والتقشّف وعمل اليد، ويتناوبون الصلاة في كنيستهم ليلاً ونهاراً دون إنقطاع، لا يقتاتون بسوى الخبز والماء.
فإرتاح زوسيما إلى تلك الحياة النظاميّة السعيدة.
وأخذ يواصل جهاده في ذلك الجو الصافي ويزداد كمالاً يوماً بعد يوم، وهو الذي لقي مريم المصريّة التائبة في البريّة وناولها الزاد الأخير.
وعاش زوسيما في ذلك الدير، مثابراً على أعمال النسك والقداسة، إلى أن نقله الله إليه في السنة ٥٢٥.