ومنذ حداثته تعشّق الفضيلة. فضمّه البطريرك إسكندر إلى مدرسته الإكليريكيّة فنبغ في العلوم وتفوّق على أقرانه.
وإنعكف على الصلاة والتأمّل ومطالعة الأسفار الإلهيّة.
وكانت شهرة القدّيس أنطونيوس كوكب البريّة قد ملأت الآفاق، فذهب إليه وأقام عنده وأعجب بمَا شاهده فيه وفي رهبانه النسّاك من قداسة وكمال.
ثمّ رجع إلى الإسكندريّة ليكون في خدمة البطريرك إسكندر الذي رسمه رئيس شمامسة وجعله كاتب أسراره.
وفي غضون ذلك وضع كتابيه المشهورين: ضد الأمم وفي الكلمة المتجسّد.
فإستصحبه البطريرك معه إلى المجمع النيقاوي الأوّل المنعقد سنة ٣٢٥، وفي هذا المجمع تصدّى أثناسيوس لآريوس وفنَّد مزاعمه الراهنة مثبتاً ألوهيّة السيّد المسيح الكلمة الأزليّ.
فأضمر له الآريوسيون الحقد والضغينة، وأخذوا يتحينون الفرص للإيقاع به.
رسمه البطريرك كاهناً وعهد إليه بالوعظ والإرشاد.
وبعد وفاة هذا البطريرك إنتخبه الأساقفة بطريركاً عليهم.
فقام يسوس رعيّته بكل غيرة ومفاداة، حاثاً الجميع على المحبّة والسلام.
وراح آريوس يثير الخواطر عليه.
وفي سنة ٣٣٤، عقد الآريوسيون مجمعاً في صور إلتزم أثناسيوس حضوره مستدركاً ما حيك حوله من الدسائس.
وقد ترأس المجمع أعداؤه فحكموا عليه بالحطّ عن كرسيه وأوغروا صدر الملك عليه، فأمر بإبعاده إلى أن تهدأ الحال.
فذهب القدّيس إلى روما، ملتجئاً إلى البابا يوليوس الذي رحّب به وأكرمه.
وهناك كتب سيرة القدّيس أنطونيوس الكبير، فكان ذلك داعياً لنشر الحياة الرهبانيّة في إيطاليا وغيرها.
وعقد البابا مجمعاً في روما، إمتنع الآريوسيون عن حضوره فأمر البابا آباء المجمع برجوع أثناسيوس إلى كرسيه فإستقبله الشعب بأبهى مظاهر الفرح.
فراح يصلح ما إختلّ من الشؤون مدّة إبعاده.
وعقد مجمعاً في الإسكندريّة ، حرم فيه جميع الأضاليل من آريوسيةٍ وغيرها.
وأثبت البابا ليباريوس هذا المجمع وكان ذلك سبباً لإرجاع الكثيرين من الضلال إلى الإيمان القويم.
ولمّا قام يوليانوس الجاحد أمر بإخراجه من مصر كلها، فتوارى عن الأبصار ، قاصداً البريةّ، حيث زار النسّاك أصدقاءه مستأنساً بهم ومشاركاً في حياة الخلوة والإتحاد بالله، إلى أن مات يوليانوس الجاحد وخلفه جوفيانوس سنة ٣٦٣ ملكاً حليماً ورعاً، فأعاد أثناسيوس إلى كرسيه وغمره بعطفه فأخذ يواصل جهاده النبيل في سبيل مجد الله، إلى أن رقد بالربّ في ساحة الجهاد سنة ٣٧٣ وله من العمر سبع وسبعون سنة.