قد أقامهما الملك قسطنطين الكبير للعناية بشؤون إبنته قسطنسيا، التي كانت قد نذرت بتوليّتها للّه وأقامت في مقصورة خاصة بها.
فأحسنا القيام بمهمّتهما هذه ونالا كل ثناء وإعتبار.
وبعد وفاة قسطنطين وإبنته قسطنسيا، خدما كجنديين في أيام أبنائه، وكانت لهما المنزلة الكبرى والإعتبار.
ولمّا إستوى يوليانوس الجاحد على منصّة الملك تركا الجنديّة وإعتزلا في دارهما بروما.
فأرسل يوليانوس الملك يطلبهما ليكونا عنده في بلاطه، كما كانا في بلاط الملك قسطنطين وأبنائه، وأنه يريد تكريم مَن أحسنوا الخدمة، أيّام أسلافه.
فأجابا بأنّهما لا يريدان أن يخدما من قد جحد الدين المسيحي، بعد أن وُلد فيه وإعتمد في الكنيسة الكاثوليكيّة وهو يضطهد المسيحيّين وينكّل بهم.
فإستشاط الملك غيظاً وهدّدهما بالعذاب والموت وأعطاهما مهلة عشرة أيام ليقلعا عن عزمهما.
فلم ينل منهما التهديد ولم يفرّا من روما، وعرفا بقرب المعركة، فإستعدا لها بكل ما أوتيا من الإيمان الحيّ والشجاعة.
فباعا أملاكهما جميعاً ووزّعا ثمنها على الفقراء والكنائس، وصرفا مهلة الأيام العشرة بالصلاة والإستعداد لقبول الشهادة.
وعند نهاية المدّة المعيّنة، أتاهما تيرانسيانوس، خادم الملك، ومعه صنم المشتري.
وأخذ يحثّهما على الإذعان لأمر الملك والسجود فقط أمامه للصنم الذي بيده إرضاءً لخاطر الملك.
فأجاباه بكل جرأة :
"حاشا لنا أن نبدُل رضا مَلكٍ سماوي برضا مَلكٍ أرضي، والموت في سبيل ربّنا يسوع المسيح خير لنا من الحياة".
وإذ رآهما تيرانسيانوس، ثابتين على عزمهما، تأثّر، معجباً بهما.
فأحضر جنوداً حفروا حفرة في بستانهما وقطعوا رأسيهما ليلاً وألقوا جثّتيهما في تلك الحفرة.
وسرت إشاعة أنّهما تغيّبا في ذلك الليل، حذراِ من حدوث ثورة بين الشعب.
وكان إستشهادهما سنة ٣٦٢.
وقد آمن تيرانسيانوس بالمسيح وإعتمد، لما رآه من شهامة ذينك الشهيدين البطلين وإقدامهما على الموت، غير هيّابَين، ودلّ المسيحيّين على قبرهما، فأخرجوهما من الحفرة ودفنوهما بكل إحترام.
وقد شُيّدت، منذ القدم، كنيسة بروما على إسميهما في محل دارهما.