ولمّا جاء به أخوه أندراوس إلى يسوع إبتدره الرب قائلاً :
"أنت تدعى، من الآن، كِيفَا اي الصخرة".
ثمّ دعاه يسوع ثانية وأخاه قائلاً: إتبعاني فأجعلكما صيادَي الناس.
وللوقت تركا الشباك وتبعاه.
وبعد هذه الدعوة الثانية لازم بطرس يسوع ولم يفارقه إلى النهاية.
ولمّا أعلن السيّد المسيح جسده مأكلاً حقيقياً، ودمه مشرباً حقيقياً، مشيراً بذلك إلى سر القربان الأقدس ، إستصعب الرسل كلامه ورجعوا إلى الوراء، فقال لهم: ألعلكم أنتم أيضاً تريدون أن تمضوا؟ فأجاب سمعان بطرس: إلى من نذهب يا رب وكلام الحياة الأبديّة عندك؟
سأل بطرس معلّمه: كم مرّة أغفر لأخي، يومياً، إذا خطئ اليّ، أإِلى سبع مرّات؟ أجابه يسوع: لا أقول لك سبع مرّات، بل سبعين مرّة سبع مرّات.
وهذا تبيان للضعف البشريّ الصادر من الإنسان ، وواجب أن نغفر له دائماً ما زالت نيته سليمة صافية.
وكم كان متحمساً للدفاع عن معلمه عندما أعلن يسوع عن كيفية ميتته، فقال له سمعان بطرس: إني مستعد أن أمضي معك إلى السجن وحتّى إلى الموت.
فقال له يسوع: إنّ الروح مستعد وأمّا الجسد فضعيف.
وستنكرني ليلة آلامي ثلاث مرّات قبل صياح الديك مرّتين. وهكذا كان. ولكن عاد بطرس فندم على خطيئته بذرف الدموع مدّة حياته كلّها.
ومَن يتصفّح النصوص الواردة في العهد الجديد، يتّضح له جلياً أنّ بطرس هو أوّل من تبع المسيح وإعترف به.
وكان أميناً لأسراره وقد رافقه في جميع مراحل حياته.
وقد جعله الربّ زعيماً للرسل ورئيساً على كنيسته.
وكان يترأس إجتماعات الرسل قبل صعود الرب وبعده ويرشدهم بسلطته المطلقة دون منازع.
وقد خطب في اليهود بعد حلول الروح القدس وصنع العجائب.
وبدأ غير هيّاب، بالتبشير في السامرة، وطاف مدن سواحل فلسطين ولبنان، وعمّد كرنيليوس القائد برؤيا عجيبة مؤثرة جداً.
وهو مَن خرج مِن أورشليم، قبل الرسل.
وبعد صعود الرب، بشّر بطرس في فلسطين وفينيقية وآسية خمس سنوات، ثمّ أقام كرسيه في أنطاكية سبع سنين، وخلفه فيها أوديوس.
وذهب إلى روما حيث أقام كرسيه سنة ٤٤ للميلاد.
ثمّ عاد إلى أورشليم في السنة نفسها، فألقاه هيرودس أغريبا في السجن وخلّصه ملاك الربّ.
فإستأنف التبشير، وعقد المجمع الأول مع الرسل وكتب رسالته الأولى.
ثمّ رجع إلى روما حيث أسقط سيمون الساحر من الجو وأخزاه هو وخداعه، وكان سيمون عزيزاً على نيرون الملك.
غضب الملك على بطرس، فأخذ يترقّبه وبوحي إلهي عرف بدنو أجله، فكتب رسالته الثانية.
وما لبث أن قبض نيرون عليه وسجنه، ثمّ أمر بصلبه، ولعمق تواضعه، أبى أن يُصلَب إِلاَّ منكَّساً.
وقد أثبت القدّيسون : ديونيسيوس وإيريناوس وأوسابيوس وإيرونيموس، كما تبيّن أيضاً من الآثار التاريخيّة المكتشفة حديثاً في رومة أنّ بطرس ذهب إلى روما بالإتفاق مع بولس.
وبعد أن أسّس كنيستها إستشهد في عهد نيرون عام ٦ه.
صلاته معنا. آميـــــــن.
أمّا الرسول العظيم بولس الذي جُنَّ بمحبة المسيح، فبعد أن كان أشدّ مضطهد للكنيسة، قد حمل لواء الإنجيل عالياً وطاف به العالم مقتحماً الأخطار، براً وبحراً، لا يهاب الموت في سبيل مَن بذل نفسه لأجله.
فكان آية عصره وسيبقى على الأجيال ، بأعماله الجبّارة ورسائله الرائعة أسطع دليل على مفعول النعمة الإلهيّة في أرض الإرادة الجيّدة.
وُلد شاول في مدينة طرطوس، نحو السنة العاشرة للميلاد، من أبوين يهوديّين أصلهما من الجليل.
درس الفلسفة والفقه على العالم الشهير جملائيل في أورشليم.
ودُعي فيما بعد بولس.
كان يمقت ويضطهد كل من يخالف شريعة آبائه.
لذلك ساهم في رجم إسطفانوس رفيقه أوّل الشهداء.
وكان يلاحق المسيحيّين ويسوقهم إلى السجون.
وفيما هو ماضٍ إلى دمشق في هذه المهمّة، إذا نور من السماء قد سطع حوله فسقط على الأرض وسمع هاتفاً يقول له : " شاول، شاول، لِمَ تضطهدني؟".
فقال:
"من أنت ، يا سيدي؟". قال:
"أنا يسوع الذي أنت تضطهده. فقم وادخل المدينة، فيقال لك ما يجب عليك أن تفعل".
فنهض شاول عن الأرض ولم يكن يبصر شيئاً، وعيناه مفتوحتان.
فإقتادوه بيده وأدخلوه دمشق.
فلبث ثلاثة أيام ، مكفوفَ البصر، لا يأكل ولا يشرب (أعمال ٩: ١-١٠).
وأرسل الربّ إليه تلميذاً إسمه حننيا فوضع عليه يديه فأبصر وإعتمد.
وكان إهتداؤه العجيب سنة ٣٥ للميلاد.
وما لبث أن أخذ يكرز في المجامع بأنّ يسوع هو إبن الله.
فتآمَر اليهود على قتله.
ولكنّه نجا بسعي المؤمنين.
وعاد إلى أورشليم وإتصل بالرسل.
وراح يبشّر في الهيكل بجرأة.
فصمّم اليهود على قتله.
ولكنه سافر إلى طرطوس وطنه مارّاً بسوريا وكيليكيا بصحبة برنابا ويوحنا مرقس.
وفي قبرص آمن على يده الوالي سرجيوس بولس وإعتمد هو وأهل بيته.
وإستأنف البشارة حيث أبرأ مقعداً من جوف أمه في لسترة.
غير أنّ اليهود تمكّنوا من إثارة الجموع عليه، فرجموه خارج المدينة.
وفي الغد، شفاه الله وأقامه فإنطلق مع برنابا، يثبّتان المؤمنين في المدن ويرسمان لهم كهنة لخدمتهم.
وعاد إلى أنطاكية حيث مكث أياماً وإنطلق منها يصحبه سيلا ولوقا إلى آسيا الصغرى وكيليكيا وليكاونية وغلاطية وتراوس وسائر بلاد اليونان.
وإستصحب تيموتاوس الذي أقامه فيما بعد أسقفاً على أفسس.
وفي آثينا قام خطيباً أمام فلاسفتها في الأريوباغوس، فردّ كثيرين إلى الإيمان ومنهم ديونيسيوس الأريوباغي.
ثمّ عاد إلى أورشليم حيث مكث سنتين، ثمّ جال في مدن آسيا الصغرى وجاء إلى كورنتس حيث تراءى له الربّ وشجّعه وأجرى على يده آيات باهرة.
وطاف في غلاطية وفريجية، يثبت التلاميذ في الإيمان ، حتى وصل إلى أفسس ، حيث أقام ثلاث سنوات يبشّر ويعمّد بإسم يسوع المسيح، عاملاً بيده لكسب معاشه.
وسار يبشّر في جزر بحر الروم، حتّى بلغ صور وعكا وقيصرية.
وحاول الأخوة أن يمنعوه من الصعود إلى أورشليم، ملحّين عليه بالدموع، فقال لهم: ما بالكم تبكون وتكسرون قلبي: إني مستعد، لا للوثاق فقط بل للموت أيضاً في أورشليم لأجل إسم الربّ يسوع (اعمال ٢١: ٧-١٣).
هناك حاول اليهود قتله فمنعهم قائد الجند.
وخاطب الشعب باللغة العبرانية مبيّناً عن إهتدائه.
فصرخوا قائلين: إرفعه، أصلبه.
فإِرضاءً لهم أراد الوالي أن يجلده، فإعترض بولس بأنّه ذو جنسيّة رومانيّة.
وأرسله قائد الألف إلى الوالي في قيصريّة، مركز الولاية الرومانيّة حيث مكث أسيراً سنتين.
ولكان الملك أغريبا أطلق سراحه لو لم يكن رفع دعواه إلى قيصر.
فأقلع بولس مع أسرى آخرين إلى روما يصحبه لوقا رفيقه الأمين وإسترخوس المكدوني.
وبعد النظر إلى دعواه، لم يجد القضاة ما يوجب الحكم عليه، فأخلي سبيله.
فأقام في روما سنتين يبشّر بالإنجيل.
ثمّ عاد يبشّر أيضاً في جزيرة كريت ويزور كنائس آسيا وتروادا وكورنتس.
ويُقال أنّه مضى إلى أسبانيا مجتازاً فرنسا – ثمّ رجع إلى روما فقبض عليه نيرون وألقاه في السجن، وحكم بقطع رأسه كما حكم على بطرس الرسول بالصلب.
وكان ذلك سنة ٦٧ للميلاد.
أمّا رسائله الرائعة وعددها أربع عشرة رسالة، فهي آية في البلاغة وتحفة الآثار الكتابيّة في الكنيسة.