وقيل في مدينةٍ بجوار الإسكندريّة، من والدين وثنيّين غنيّين.
وبما كان عليه من حدّة الذهن والعلم الوافر، أدرك ما في الوثنيّة من خرافة فنبذها وعمد إلى أحد أصدقائه المسيحيّين العلماء فأرشده إلى الإيمان الحق بالمسيح، فإعتمد هو ووالداه.
فإنكبّ على درس الكتب المقدّسة وشرحها، وإنصرف إلى ممارسة الصلوات والتأمّلات.
وبعد إرتقائه درجة الكهنوت ووفاة والديه وزّع كل ثروته على المساكين وأخذ يبشّر بالإنجيل ويردّ الكثيرين من الوثنيّين إلى الإيمان بالمسيح بما أجراه على يده من المعجزات.
فكان بمثله الصالح وكلامه المؤثّر نوراً للعقول وهدياً إلى كل خير وصلاح فطابق إسمه مسمّاه، نوهرا بالسريانيّة أي النور، ولوجيوس باللاتينية، وهو معروف في لبنان بشفيع البصر وفيه عدّة كنائس على إسمه.
ولمّا ثار الإضطهاد على المسيحيّين في أيّام مكسيميانوس الملك أخذ القدّيس نوهرا يطوف البلاد حتّى السواحل الفينيقيّة، عكّا وصور وجبيل والبترون وطرابلس، يناضل عن المؤمنين ويشجّعهم على إحتمال العذاب ويردّ الكثيرين من الوثنيّين إلى الإيمان بالمسيح.
فأرسل الوالي روفيانوس في طلبه وأدخله هيكل الأصنام ليسجد لها فما رسم القدّيس إشارة الصليب حتّى سمع صوتاً يقول :
"لقد أخزيتني، يا نوهرا".
فأجاب القدّيس :
"فلتكن مخزياً إلى الأبد".
فغضب الوالي وأمر الجند بأن يسوقوه إلى السجن مكبّلاً بالقيود، وكان بعض تلاميذه قد جحدوا الإيمان خوفاً من العذاب، فأخذ القدّيس يناشدهم فتأثّروا جداً وإعترفوا بكونهم مسيحيّين وكانوا نحو أربعين جندياً فقتل الكفّار بعضهم وسجنوا الآخرين، أمّا القدّيس نوهرا فأدخلوه في خشبة فتخلّعت رجلاه وتكسّرت أضلاعه وهو صابر.
ثمّ طرحوه في السجن.
وبعد أيّام دخل عليه وزير الملك، فإبتدره القدّيس هاتفاً :
"أنا مسيحي".
فدهش الوزير من شجاعته وصبره.
فسأله من أين أنت وما مهنتك ومن هم أهلك؟ فلم يلقِ إلاّ الجواب نفسه : "أنا مسيحي".
وعندها قطعوا رأسه وفاز بإكليل الشهادة.
في أواخر القرن الثالث.
وقد إختلف المؤرّخون في مكان إستشهاده.
ومن التقليد أنه إستشهد في قرية أسمر جبيل في بلاد البترون حيث كان هيكل للأصنام دخله وحطّم أصنامه كما سبق.