يَرتعب إبليس من سَماع صلاة "تُعظِّمُ نَفسي الربّ" للأسباب التالية :
١. تُعلن صلاة "تُعظِّمُ نَفسي الربّ" تواضُع العذراء الفائق.
كان موسى أكثر النّاس تواضُعا في العهد القديم، أما العذراء فهي أعظمُ تواضعًا من موسى وأكثر النّاس تواضُعًا في العهدَين القديم والجديد معًا.
ومَغزى كلام مريم: "اللهُ نظَرَ إلى تواضُعي، وأنا أعظِّمُه".
والتواضع هو الفضيلة الأعظَم التي تُخيف إبليس وتَقهرُه، وصلواتُ المتواضعين شديدةُ الفاعليّة ومَقبولةٌ جدًا عندَ الله.
٢. الله ينظُر إلى المتواضعين ويحطّم عروش المتكبّرين ويُشتّتُهم ويحطّم قوّتهم ويُهبطُهم من عليائهم.
والمتكبّر الأعظَم هو إبليس، ومريم تُعلن أنّه بتجسّد المسيح في أحشائها دُمِّرَ كبرياء إبليس وحُطِّ من عليائه وبادَت عظَمَتُه ودُكَّ عرشُه.
فها هو يرتعب لأجل هذا الأمر أيضًا.
٣. الله في نشيد مريم هو "القدُّوس القدير الذي كشَفَ عن شِدَّةِ ساعدِه".
وَتظهَرُ قُدرتُه في أنّه حطَّ المتكبّرين الأقوياء عن العروش وشتَّتَهم ورفعَ المُتواضعين وأشبعَ الجياعَ خيرًا وصَرفَ الأغنياءَ فارغين، وفي أنّه صنَعَ إلى مريم العظائم وحقّق وعدَه بأن يخلّص البشر بالمسيح.
وإبليس يرتَعب وينهزم لسماعه هذه الكلمات التي تُعلن عظَمة الله وقُدرته، وتُعلن خصوصًا مجيء المسيح وتجسدَه من مريم، فذلك إيذانٌ بزوال مُلكه وإضمحلال سُلطانه.
٤. إنّ تجسد المسيح من مريم هو رحمةٌ من الله وإنتصارٌ لشعبه إسرائيل: "نصَرَ إسرائيل فتاه، ذاكرًا، كما قال لآبائنا، رحمته لإبراهيم ونسله إلى الأبد".
هذا الإنتصار الذي هو رحمةٌ للأتقياء هو بالمقابل دينونةٌ لإبليس وتذكيرٌ له بدينونته الأخيرة واندحاره إلى جهنّم.
٥. كلّ ما سبق يُعلِن عظَمة مريم.
فجميع تجلّيات قُدرة الله التي ذكرنا تحقّقت فيها ومن خلالها، وهي أدركت ذلك وأكّدته في نشيدها هذا.
فقُدرة الله وعظَمتُه، وصُنعُه العظائم إليها، وإعلان إنتصاره ورحمته معًا بتحقيقه وعده بمجيء المسيح، وإعلان إنتهاء مُلك إبليس ودنوّ هزيمته النّهائيّة، كلّ ذلك تحقّقَ في شخصها وتجلّى من خلالها وبواسطتها.
٦. إن كانت مريم، في هذا النّشيد، تُعلن تواضُعَها، فهي تُعلن أيضًا عظَمتَها.
وعظَمتُها لا تُلغي تواضُعَها، فهي أدركت أنّ تلك العظَمة مصدرُها القدرة الإلهيّة الفاعِلة فيها وبواسطتها ومن خلالها.
"فقُدرة العليّ ظلّلتها والروح القدس حلّ عليها والابن تجسَّدَ في أحشائها".
وهنا إعتلانٌ لسرّ الثّالوث، الذي يُرعِب إبليس ويقهرُه ويهزمه ويَدحرُه.
٧. في كلّ ذلك صارت مريم "والدة الإله".
وهي أدركت عظَمة ما فعل الله من خلالها، وأنّ تدبير الله هذا لا رجوع عنه، وأنّ النِّعمة العاملة فيها ومن خلالها ستبقى إلى الأبد.
ومن هنا قولها "تطوِّبُني جميع الأجيال".
٨. ما يُعبِّر عنه نشيد مريم كثيرٌ جدًا بالنّسبة إلى إبليس، وهو مُفاجئٌ وأكثر مما يستطيع الشيطان احتمالُه.
وهذا النّشيد هو الصلاة الوحيدة التي علّمتنا إيّاها مريم، إنّه تَعظيمةٌ تفوّهت بها بصوتها، ومُباشَرةً من فمِها.
وعندما نتلو هذا النَّشيد يتذكّر إبليس المرّة الأولى التي سمعه فيها بفم مريم وصوتها فيزدادُ رعبًا، لأنّ هذا النشيد يُعلنُ اندحارَه النهائيّ القريب إلى جهنّم.
٩. لهذا النشيد مكانةٌ خاصة عند المستشفعين بمريم، وبتلاوته تمتلئ قلوبهم بالبهجة والشعور بعظَمة تدبير الله، وفي الوقت عينه، يُطوِّبون مريم تحقيقًا لنبوءتها بأنّها "سوف تطوّبها جميع الأجيال".
ولقاء تطويبهم لها، ينالون قوّة شفاعتها، وتنال لهم إنعامات وفيرة من إبنها.
١٠. يُسمَّى نشيد مريم "الكاتينا" Catena أي السلسلة.
إنها السلسلة التي سوف يُقيَّد بها إبليس ليُطرح بعدَها إلى جهنّم.
وكلّ ما قلناه يؤكِّد دور العذراء مريم في الغلَبة على إبليس وهجماته.
فمريم هي ساحقة رأس الحيّة كما وعد الله في بدء الخليقة، وبإسم وسلطان صليب إبنها، وبقوّة شفاعتها، يندحِر إبليس وينطرح في جهنّم إلى الأبد.
/الأب أنطوان يوحنّا لطّوف/
#خدّام الرب