"فلنَعد لنحلم"، كتاب ينقل حواراً بين البابا فرنسيس والصحفي البريطاني أوستين ايفيري ينطلق من التأمل حول الوباء الحالي، والذي يصفه البابا بأزمة ليست المأساة الوحيدة التي تواصل جرح البشرية.
صدر عن دار Piemme للنشر كتاب بعنوان "فلنَعد لنحلم" يحاور فيه الصحفي البريطاني أوستين إيفيري البابا فرنسيس وذلك حول المرحلة الحالية، أو بالأحرى الأزمة الحالية الناتجة عن وباء كوفيد 19.
أزمة يتحدث عنها البابا مستعيرا صورة المتاهة التي تحدث عنها الكاتب الأرجنتيني الكبير خورخي لويس بورخيس، صورة لا تعكس فقط الوضع الحالي بل هي مفيدة للإشارة إلى مخرج منه.
ويتوقف الأب الأقدس في هذا السياق عند الإبداع والذي يعتبره المؤمنون عمل الروح القدس الذي يدعونا إلى الخروج من ذاتنا، لأن الخطر هو أن نظل ناظرين إلى أنفسنا في المرآة مضطربين لما يحدث حولنا بدون أن نخرج من المتاهة حسب ما يقول البابا. وللخروج علينا هجر ثقافة الـ selfie، والتوجه إلى الآخرين لأنهم هم مَن يساعدوننا على الخروج وعلى إعطاء أفضل ما لدينا.
وينطلق الكتاب حسب ما يذكر أوستين أيفيري في حواره مع البابا فرنسيس من ذلك المشهد المؤثر لقداسة البابا في ساحة القديس بطرس وحيدا تحت المطر في 27 آذار مارس 2020 وكأنه قبطان يقود البشرية في إحدى أحلك لياليها.
ويتحدث البابا فرنسيس عن الطريق نحو مستقبل أفضل، طريق نقطة انطلاقه هذا الوضع الحالي والذي يصفه البابا بلحظة حقيقة واختبار ملهِم، مذكرا بأنه لا يمكن الخروج من أزمة كما كنا من قبل.
إلا أن الأب الأقدس لا يفكر في الوباء فقط بل يؤكد أن الوباء يبدو الأزمة الوحيدة لأنه يصيب الجزء الأكبر من البشرية، هو أزمة مرئية أكثر من غيرها، فهناك الآلاف من أزمات أخرى لا تقل قسوة لكنها تبدو بعيدة بالنسبة للبعض ونتصرف وكأنها أزمات لا تعنينا.
ويعطي قداسته كأمثلة الحروب الكثيرة في عالم اليوم، الاتجار بالسلاح، ومئات الآلاف من اللاجئين هربا من الفقر والجوع والأضرار الكبيرة الناتجة عن التغيرات المناخية.
ولا يقتصر البابا في حواره مع الصحفي البريطاني على العالم اليوم، بل ويعود إلى حياته الشخصية وذكرياته فيتحدث بشكل مؤثر عما يصفها بثلاثة "كوفيد" بالنسبة له.
فيتذكر أولا المرض الخطير الذي أصاب رئتيه سنة 1957 والذي كان يهدد حياته بينما كان يدرس في الإكليريكية.
الكوفيد الشخصي الثاني في ذكريات البابا فرنسيس يعود إلى فترة إقامته في ألمانيا سنة 1986، ويصف قداسته هذه المرحلة بـ "كوفيد المنفى" حيث كان قد قرر هذا النفي الاختياري لاستكمال دراسته.
ثم يشير إلى ما كان بالنسبة له الكوفيد الثالث، أي الفترة التي أمضاها في بداية التسعينيات في الإقامة اليسوعية في كوردوبا تنفيذا لطلب الرهبنة.
وفي حديثه عن هذه الفترة يتذكر البابا بشكل خاص قراءته كتاب حول تاريخ البابوات للمؤرخ الألماني لودفيك فون باستور، ويتساءل الأب الأقدس اليوم لماذا أوحى إليه الله بأن يقرأ هذا الكتاب تحديدا في تلك اللحظة بالذات.
وتابع أن هذا كان لقاحا أعده له الله، فمع معرفة هذا التاريخ ليس هناك الكثير مما يمكن أن يدهشه مما يحدث في الكوريا الرومانية وفي الكنيسة اليوم، وأكد أن قراءة هذا الكتاب كانت مفيدة جدا بالنسبة له.
يشدد البابا فرنسيس بالتالي على أن كل أزمة تقدم لنا درسا يجب أن نعرف كيف علينا أن نستفيد منه، وتابع أنه قد تعلم من "كوفيداته" الشخصية أن هناك الكثير من المعاناة، ولكن إن تركتَ نفسك للتغير فستخرج أفضل مما كنت، أما إذا وضعت المتاريس فستخرج أسوأ.
هذا ولا تخلو حوارات البابا التي ينقلها الكتاب الجديد من إشارة إلى مواضيع مركزية في حبريته، وينطق قداسته هنا بكلمات تزيل ما أثاره الإعلام من أفكار خاطئة في بعض الحالات، ويبدو هذا واضحا حين يتحدث عن الإيكولوجيا والإجهاض وحماية الحياة البشرية.
ويقول قداسته على سبيل المثال إنه وحين وجه الدعوة إلى إيكولوجيا متكاملة فإنه أراد التشديد على الحاجة إلى ارتداد إيكولوجي لا لتفادي أن تدمر البشرية الطبيعة فقط، بل وأن تدمر ذاتها. وقال إن الإيكولوجيا المتكاملة تتجاوز مجرد العناية بالطبيعة، فهي تعني الاهتمام أحدنا بالآخر كخليقة آب يحبنا، بكل ما يترتب على هذا.
وقال قداسته هنا إنه حين تكون مقبولة أمور مثل الإجهاض والموت الرحيم وعقوبة الإعدام يصعب أن نهتم بتلوث الأنهار أو تدمير الغابات وبالعكس.
وأكد قداسته أنه لا يمكن الصمت أمام أكثر من 30 أو 40 مليون حياة لا تولد ويتم إقصاؤها سنويا من خلال الإجهاض.
نقطة مركزية أخرى تطرق إليه البابا فرنسيس هي السينودسية وأهميتها لا فقط بالنسبة للكنيسة بل وللعالم.
فبدلا من التصادم وإعلان حروب يعتقد كل طرف أنه سينتصر فيها على الآخر، نحن في حاجة إلى مسيرات تسمح بالتعبير عن الرأي والإصغاء وتُمَكن الاختلافات من السير معا.
وأراد الأب الأقدس الإشارة إلى بعض الجوانب الإيجابية خلال الفترة الحالية مثل اتفاق دول الاتحاد الأوروبي على إجراءات مشتركة لمواجهة الفيروس.
ويتوقف البابا من جهة أخرى عند الجمعيات العامة الثلاث الأخيرة لسينودس الأساقفة، حول العائلة والشباب والأمازون، مشيرا النظرة الخاطئة إلى السينودس وكأنه برلمان يمكن أن يشهد مواجهات سياسية، فهي نظرة تتعارض مع روح السينودس باعتباره فسحة محمية للتمييز الجماعي.
وأشار قداسته إلى أمثلة محددة من الجمعيات العامة المذكورة.
المصدر : فاتيكان نيوز