محاكاة نظرة الرب التي هي نظرة حنان ومصالحة وأخوّة، هذا ما تمحورت حوله كلمة البابا فرنسيس خلال استقباله اليوم الاثنين جماعة المعهد الحبري المكسيكي.
استقبل قداسة البابا فرنسيس ظهر اليوم الاثنين في القصر الرسولي جماعة المعهد الحبري المكسيكي. وتحدث في بداية كلمته إلى ضيوفه عن الذكرى الحية للقائه شعب الله خلال زيارته الرسولية إلى المكسيك سنة 2016، وتابع أن هذا اللقاء يتجدد سنويا في بازيليك القديس بطرس احتفالا بعيد العذراء سيدة غوادالوبي. ثم شكر البابا فرنسيس رئيس المعهد الحبري المكسيكي الأب فيكتور أوليسيس فاسكيس مورينو على كلمته والتي أشار فيها إلى بعض التحديات الأساسية بالنسبة للكرازة في المكسيك وفي القارة الأمريكية بكاملها، وذلك بشكل خاص خلال الأوضاع الناتجة عن وباء كوفيد 19. وواصل الأب الأقدس مؤكدا أن المشاكل الحالية تستدعي من الكهنة التشبه بالرب وأن تكون لهم نظرته المـُحبة لتصبح نظرتهم نظرة حنان ومصالحة وأخوّة.
توقف البابا بالتالي عند هذه الصفات الثلاث للنظرة التي يجب أن يتحلى بها الكاهن، فتحدث أولا عن ضرورة التحلي بنظرة الحنان التي يرى بها الله الآب المشاكل التي تضرب المجتمع، مثل العنف واللامساواة الاجتماعية والاقتصادية، الاستقطاب، الفساد، فقدان الرجاء وخاصة لدى الشباب. وواصل قداسته مشيرا إلى مَثل مريم العذراء التي تعكس حنان محبة الله اللامتناهية للجميع بدون تمييز، كما وأشار إلى أن التشبه بالراعي الصالح يقود الكاهن إلى شفقة حقيقية لا فقط إزاء القطيع الموكل إليه، بل وأيضا إزاء الخراف الضالة. كما وذكَّر بأن الحنان والشفقة والقرب تشكل أسلوب الله والذي يجب أن يكون أسلوب الكاهن الذي يكافح كي يكون أمينا.وشدد قداسته على أنه فقط بترك أنفسنا لله كي يشكلنا تتقوى محبتنا الرعوية ولا يُستثنى أحد من اهتمامنا وصلاتنا. كما ويحُول هذا دون أن نكون حبساء بيوتنا أو مكاتبنا، ويحفزنا على الخروج للقاء الأشخاص لا أن نبقى بلا حراك. وأراد الأب الأقدس في هذا السياق التحذير من النزعة الإكليريكية.
ثم انتقل البابا فرنسيس إلى الحديث عن نظرة المصالحة، وتوقف هنا عند المصاعب الاجتماعية ومشاكل اللامساواة والفساد مؤكدا أنها تتطلب منا نظرة تجعلنا قادرين على نسج ما تَفكك أو ضعف في النسيج الاجتماعي والكنسي، مع الاهتمام في المقام الأول بالمقصيين بسبب كونهم من السكان الأصليين أو بسبب أشكال التقوى الشعبية الخاصة. وتابع البابا فرنسيس مؤكدا أن الرعاة مدعوون إلى المساعدة على إعادة نسج علاقاتٍ قوامها الاحترام وبناءة بين الأشخاص والجماعات والثقافات، مقترحين عليهم أن يدَعوا الله يصالحهم، هذا إلى جانب الالتزام من أجل إحلال العدالة.
وفي حديثه عن التحلي بنظرة أخوّة أشار البابا فرنسيس إلى أن التحديات العديدة الحالية تشمل النسيج الاجتماعي وواقعا معولما ومترابطا عبر الشبكات الاجتماعية ووسائل الاتصالات. ولهذا، تابع الأب الأقدس، علينا أن نكون، وفي اتحاد مع المسيح الخادم والراعي، قادرين على التحلي بنظرة اشتراك ووحدة تحفزنا على خلق الأخوّة التي تسمح لنا بالتشديد على نقاط الرباط والتفاعل في الثقافات والجماعات الكنسية. وتحدث البابا عن نظرة تسهِّل الشركة والمشاركة الأخوية، تحفِّز وتقود المؤمنين كي يحترموا البيت المشترك وكي يكونوا بناة عالم جديد في تعاون مع جميع الرجال والنساء ذوي الإرادة الطيبة. ولكي تكون لدينا هذه النظرة، حسب ما ذكر قداسة البابا، نحن في حاحة إلى نور الإيمان وحكمة مَن يقدر على "خلع النعلين" للتأمل في سر الله وقراءة علامات الأزمنة من هذا المنطلق. ومن الضروري بالتالي، شدد البابا فرنسيس، تحقيق تناغم في التشئة الدائمة بين الأبعاد الأكاديمية والروحية والإنسانية والرعوية. من الضروري أيضا الوعي بنواقصنا كأفراد وكجماعات وبالتقاعس أو الأخطاء التي علينا تصحيحها في حياتنا. وتابع قداسته أننا مدعوون إلى عدم الاستهانة بالاغراءات الدنيوية التي يمكنها أن تقودنا إلى معرفة شخصية غير كافية وتصرفات تتسم بالمرجعية الذاتية وأشكال مختلفة من التهرب من مسؤولياتنا. وحذر قداسة البابا ضيوفه في هذا السياق مما وصفها بالدنيوية الروحية والتي يعتبرها بوابة الفساد.
وفي ختام كلمته إلى جماعة المعهد الحبري المكسيكي، التي استقبلها اليوم الاثنين في القصر الرسولي، شدد البابا فرنسيس على ضرورة عدم إبعاد نظرتنا عن المسيح الخادم المتألم، ودعا ضيوفه إلى عدم التوقف عن التعمق في جذور الإيمان التي تلقوها في كنائسهم والتي تأتي من مسيرة تثقيف غنية للإنجيل، مسيرة تُعتبر سيدة غوادالوبي مثالا لها. وقال البابا إن عذراء غوادالوبي تذكِّرنا بمحبة ابنها يسوع وتجعلنا نشارك في كهنوته. ثم أوكل الأب الأقدس ضيوفه إلى عذراء غوادالوبي والقديس يوسف والذي هو نموذج للمشاركة في سر الخلاص، وذلك بخدمته المتواضعة والصامتة. وختم البابا فرنسيس مباركا الجميع سائلا إياهم الصلاة من أجله.
المصدر : فاتيكان نيوز