"أود أن أطلب منا جميعًا، أيها القادة الدينيون، ألا نستخدم اسم الله أبدًا لإثارة الحروب أو الانقلابات. لنقف إلى جانب الشعوب والعمال والمتواضعين ونكافح معهم لكي تصبح التنمية البشرية المتكاملة حقيقة واقعة"
هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في رسالة الفيديو التي وجّهها إلى الحركات الشعبية.
بمناسبة اللقاء العالمي الرابع للحركات الشعبيّة وجّه قداسة البابا فرنسيس عصر اليوم السبت رسالة فيديو إلى المشاركين قال فيها أيها الشعراء الاجتماعيين الأعزاء، هكذا يطيب لي أن أُسمّيكم "شعراء اجتماعيين". لأنكم شعراء اجتماعيون، بقدر ما تملكون القدرة والشجاعة على خلق الرجاء حيث يظهر الرفض والإقصاء فقط. إنَّ الشِّعرَ يعني الإبداع وأنتم تخلقون الرجاء. بأيديكم تعرفون كيف تصوغون كرامة كل فرد، وكرامة العائلات والمجتمع بأسره مع الأرض والبيت والعمل والعناية والجماعة.
تابع الأب الأقدس يقول شكرًا على الفيديو الذي شاركناه للتو. لقد قرأت تأملات اللقاء، وشهادة ما عشتموه في أوقات الضيق والألم هذه، خلاصة مقترحاتكم وتطلعاتكم. شكرًا. شكراً لكم لأنكم جعلتموني أشارك في العملية التاريخية التي تمرون بها وأشكركم على مشاركتكم معي لهذا الحوار الأخوي الذي يسعى إلى رؤية الكبير في الصغير والصغير في الكبير، حوار يولد في الضواحي، حوار يصل إلى روما ويمكننا أن نشعر فيه جميعًا بالدعوة والتحدي. لكي نلتقي ونساعد بعضنا البعض نحن بحاجة للحوار" وما أشدَّ حاجتنا لذلك! خلال هذه الأشهر الأخيرة، أصبحت العديد من الأشياء التي شجبتموها واضحة تمامًا. لقد أظهر الوباء التفاوتات الاجتماعية التي تؤثر على شعوبنا وكشف - دون طلب إذن أو اعتذار - الحالة المؤلمة للعديد من الإخوة والأخوات، تلك الحالة التي لم تتمكن العديد من آليات ما بعد الحقيقة من إخفائها. أشياء كثيرة كنا قد أخذناها كأمر مسلم به سقطت مثل قصر من ورق. لقد اختبرنا كيف يمكن أن تتغير طريقة حياتنا بشكل جذري من يوم إلى آخر، وتمنعنا، على سبيل المثال، من رؤية عائلتنا ورفاقنا وأصدقائنا.
أضاف الحبر الأعظم يقول لقد مررنا جميعًا بألم الإغلاق، لكنكم، كما هو الحال دائمًا، حصلتم على الجزء الأسوأ. في الأحياء التي تفتقر إلى البنية التحتية الأساسية، حُرِم المهاجرون، والأشخاص غير المسجلين، والعمال غير الرسميين الذين ليس لديهم دخل ثابت في كثير من الحالات، من أية مساعدة حكومية ولم يتمكّنوا من القيام بمهامهم المعتادة، الأمر الذي أدى إلى تفاقم فقرهم المدقع. أود أيضًا أن أشير إلى الوباء الصامت الذي يصيب منذ سنوات الأطفال والمراهقين والشباب من جميع الطبقات الاجتماعية؛ وأعتقد أنه قد نما أكثر في زمن العزلة هذا. وبالحديث عن الجائحة، لا يسعنا إلا أن نسأل أنفسنا عن بلاء أزمة الغذاء. على الرغم من التقدم في التكنولوجيا الحيوية، فقد حُرم الملايين من الأشخاص من الغذاء، على الرغم من توفره. كذلك جُرَّ هذا العام عشرين مليون شخص إضافي إلى مستويات شديدة من انعدام الأمن الغذائي، وتضاعف الفقر المدقع.
تابع الأب الأقدس يقول أود أن أشكركم لأنكم شعرتم بألم الآخرين كألمكم. أنت تعرفون كيف تُظهرون وجه الإنسانية الحقيقية، تلك التي لا تُبنى من خلال إدارة ظهركم لمعاناة الأشخاص الذين حولكم، وإنما في الاعتراف الصبور والملتزم والأليم في كثير من الأحيان لحقيقة أن الآخر هو أخي وأنَّ عذاباته وأفراحه وآلامه هي أيضًأ عذاباتي وأفراحي وآلامي. إن تجاهل الأشخاص الذين سقطوا هو تجاهل لإنسانيتنا التي تصرخ في كل أخ من إخوتنا. أيها المسيحيون وغير المسيحيين، لقد أجبتم على يسوع الذي قال لتلاميذه أمام الجياع: "أَعطوهم أَنتُم ما يأكُلون". وحيث كان هناك قِلَّة، تكررت معجزة التكاثر فيكم أنتم الذين كافحتم بلا كلل لكي تضمنوا ألا ينقص الخبز لأحد. شكرًا!
أضاف الحبر الأعظم يقول مثل الأطباء والممرضات والعاملين في المجال الطبي أنتم قد وضعتم أجسادكم في صفوف الدفاع في الأحياء المهمّشة. وتبادر إلى ذهني صور العديد من "شهداء" هذا التضامن الذين أخبرتموني عنهم والرب سوف يكافئهم. وبالتالي إذا تمكّن جميع الذين قاتلوا معًا ضد الوباء بدافع الحب من أن يحلموا أيضًا بعالم جديد معًا، فسيكون كل شيء مختلفًا! ولذلك لنحلم معا. أنتم، كما قلت لكم في الرسالة التي أرسلتها إليكم العام الماضي، جيش حقيقي خفي؛ أنتم جزء أساسي من تلك الإنسانية التي تكافح من أجل الحياة في مواجهة نظام الموت. في هذا التفاني أرى الرب الذي يحضُر بيننا ليعطينا ملكوته. عندما قدم لنا يسوع "البروتوكول" الذي من خلاله سنُحاكم، أخبرنا أن الخلاص يتمثل في الاعتناء بالجياع والمرضى والأسرى والأجانب، باختصار، الاعتراف به وخدمته في البشرية المتألمة جمعاء. لذلك أشعر أنني أستطيع أن أقول لكم: "طوبى لِلْجياعِ والعِطاشِ إِلى البِرّ فإِنَّهم يُشبَعون"؛ "طوبى لِلسَّاعينَ إِلى السَّلام فإِنَّهم أَبناءَ اللهِ يُدعَون".
تابع البابا فرنسيس يقول نريد أن تمتدَّ هذه الطوبى وتطبع وتمسح كل زاوية وكل مكان تتعرض فيه الحياة للخطر. لكن يحدث لنا، كشعب، كجماعة، كعائلة وحتى بشكل فردي، أن يتعين علينا مواجهة المواقف التي تشلنا، وحيث يختفي الأفق والحيرة، ويبدو أن الخوف والعجز والظلم يسيطرون على الحاضر. نختبر أيضًا مقاومة للتغييرات التي نحتاجها ونطمح إليها، مقاومات عميقة ومتجذرة وتذهب أبعد من قوانا وقراراتنا. هذا ما تسمّيه العقيدة الاجتماعية للكنيسة "هيكليات الخطيئة"، والتي نحن مدعوون أيضًا لتغييرها ولا يمكننا تجاهلها عندما نفكر في طريقة التصرف. إنَّ التغيير الشخصي ضروري، لكن من الضروري أيضًا أن نُكيِّف نماذجنا الاجتماعية والاقتصادية، لكي يكون لها وجه إنساني، لأن العديد من النماذج قد فقدت ذلك. وبالتفكير في هذه المواقف، أصر على الطلب. وأبدأ بالطلب. وأريد أن أطلب منكم جميعًا باسم الله. من المختبرات الكبيرة التي تحرر براءات الاختراع. أن تقوم ببادرة إنسانية وتسمح لكل بلد وكل شعب وكل إنسان بالحصول على اللقاح. هناك بلدان تم فيها تلقيح ثلاثة أو أربعة بالمائة فقط من سكانها.
أضاف الحبر الأعظم يقول أريد أن أطلب باسم الله من المجموعات المالية ومنظمات الائتمان الدولية أن تسمح للدول الفقيرة بضمان الاحتياجات الأساسية لشعوبها والتنازل عن تلك الديون التي يتم التعاقد عليها في كثير من الأحيان ضد مصالح تلك الشعوب نفسها. أريد أن أطلب باسم الله من شركات التنقيب والتعدين أن تتوقّف عن تدمير الغابات والأراضي الرطبة والجبال، وتتوقّف عن تلويث الأنهار والبحار، وأن تتوقّف عن تسميم الشعوب والغذاء. أريد أن أطلب باسم الله من شركات الأغذية الكبرى أن تتوقّف عن فرض هيكليات الإنتاج والتوزيع الاحتكارية التي تضخم الأسعار وينتهي بها الامر بالاحتفاظ بخبز الجياع. أريد أن أطلب باسم الله من صانعي الأسلحة والمهربين أن يتوقّفوا تمامًا عن نشاطهم الذي يؤجج العنف والحرب، غالبًا في سياق الألعاب الجيوسياسية التي أودت بحياة الملايين من الأرواح. أريد أن أطلب باسم الله من عمالقة التكنولوجيا أن يتوقّفوا عن استغلال الضعف البشري، وهشاشة الأشخاص، من أجل المكاسب، بدون أن يأخذوا بعين الاعتبار تزايد خطاب الكراهية، والاستمالة [إغراء القصر على الإنترنت]، والأخبار المزيفة، ونظريات التآمر والتلاعب السياسي. أريد أن أطلب باسم الله من عمالقة الاتصالات أن يحرِّروا الحصول على المحتوى التعليمي والتبادل مع المعلمين عبر الإنترنت، لكي يتمكن الأطفال الفقراء من الحصول على التعليم في سياقات الحجر الصحي.
تابع البابا فرنسيس يقول أريد أن أطلب باسم الله من وسائل الإعلام أن تضع حداً لمنطق ما بعد الحقيقة، والتضليل، والتشهير، والافتراء، وهذا الانجذاب السيّء للفضيحة والاضطراب؛ وأن تسعى للمساهمة في الأخوة الإنسانية والتعاطف مع الأشخاص المجروحين. أريد أن أطلب باسم الله من الدول القوية أن توقف الاعتداءات والحصار والعقوبات الأحادية الجانب ضد أي دولة في أي جزء من الأرض. لا للاستعمار الجديد. كما أود أن أطلب منا جميعًا، أيها القادة الدينيون، ألا نستخدم اسم الله أبدًا لإثارة الحروب أو الانقلابات. لنقف إلى جانب الشعوب والعمال والمتواضعين ونكافح معهم لكي تصبح التنمية البشرية المتكاملة حقيقة واقعة. لنبنِ جسور الحب لكي لا يسبب صوت الضواحي ببكائه وإنما أيضًا بأناشيده وفرحه، الخوف بل التعاطف في المجتمع بأسره. أيها الأخوات والإخوة، لنحلم معًا! وبما أنني أطلب هذا معكم، معكم أريد أيضًا أن أنقل إليكم بعض الأفكار حول المستقبل الذي يجب أن نبنيه ونحلم به.
أضاف الحبر الأعظم يقول لنحلم معًا، احلموا فيما بينكم واحلموا مع الآخرين. اعلموا أنكم مدعوون للمشاركة في عمليات التغيير العظيمة، كما أخبرتكم في بوليفيا: "إنَّ مستقبل الإنسانية هو بين أيديكم، في قدرتكم على التنظيم، وتعزيز البدائل الإبداعية". إنه بين أيديكم. احلموا! احلموا معًا. إنَّ الأحلام تتجاوز الحدود الضيقة التي تُفرض علينا وتقدم لنا عوالم جديدة ممكنة. وأنا لا أتحدث عن الأوهام البسيطة التي تخلط بين العيش الجيد والمتعة، والذي ليس أكثر من قضاء الوقت لملء الفراغ من المعنى وبالتالي للبقاء تحت رحمة الأيديولوجية السائدة. لا، ليس هذا، بل الحلم بهذا العيش الجيد في وئام مع البشرية جمعاء ومع الخليقة. لكن ما هي أكبر الأخطار التي نواجهها اليوم؟ لقد تنبّهتُ خلال حياتي أننا لا نخرج من الأزمة أبدًا كما كنا قبلها. ومن أزمة الوباء هذه لن نخرج كما كنا قبلها: إما أن نخرج بشكل أفضل أو سنخرج أسوأ، لكننا لن نخرج منها كما كنا قبلها. واليوم يجب أن نواجه معًا هذا السؤال: "كيف سنخرج من هذه الأزمة؟ أفضل أم اسوأ؟ نحن بالتأكيد نريد أن نخرج بشكل أفضل، ولكن لذلك علينا أن نكسر روابط ما هو سهل والقبول السلبي لـ "لا يوجد بديل آخر"، و"هذا هو النظام الوحيد الممكن"، أي من ذلك الاستسلام الذي يقضي علينا، ويقودنا إلى اللجوء فقط إلى "لينقذ نفسه من يمكنه ذلك". ولهذا علينا أن نحلم.
تابع الأب الأقدس يقول أريد أن أقدم لكم بعض الخيوط. إنَّ العقيدة الاجتماعية للكنيسة لا تحتوي على جميع الإجابات، ولكنها تحتوي على بعض المبادئ التي يمكنها أن تساعد هذه المسيرة في تجسيد الإجابات وأن تساعد المسيحيين وغير المسيحيين. إنَّ المبادئ التي أشرحها هي إنسانية، مسيحية، جمعت في الملخص الذي أعده المجلس البابوي آنذاك "عدالة وسلام". إنه دليل صغير للعقيدة الاجتماعية للكنيسة. في الفصل الرابع من هذه الوثيقة، نجد مبادئ مثل الخيار التفضيلي للفقراء، والوجهة العالمية للخيور، والتضامن، والتعاضد، والمشاركة، والخير العام، وهي وساطات ملموسة لتحقيق البشرى السارة بالإنجيل على المستوى الاجتماعي والثقافي. وفي هذا السياق، أود أن أستأنف بإيجاز بعض المبادئ التي نعتمد عليها في عيش رسالتنا. سأذكر اثنين أو ثلاثة، لا أكثر. الأول هو مبدأ التضامن. التضامن ليس فقط كفضيلة أخلاقية وإنما كمبدأ اجتماعي، وهو مبدأ يسعى إلى معالجة الأنظمة الظالمة من أجل بناء ثقافة تضامن تعبر عن العزم الراسخ والمثابر على الالتزام من أجل الخير العام.
أضاف الحبر الأعظم يقول مبدأ آخر هو تحفيز وتعزيز المشاركة والتعاضد بين الحركات والشعوب، القادرة على الحد من أي مخطط سلطوي أو جماعي قسري أو أي مخطط متمركز حول الدولة. لا يمكن استخدام الخير العام كذريعة لسحق المبادرة الخاصة أو الهوية المحلية أو المشاريع الجماعيّة. لذلك، فإن هذه المبادئ تعزز الاقتصاد والسياسة اللذين يعترفان بدور الحركات الشعبية، والعائلة، والمجموعات، والجمعيات، والوقائع الإقليمية المحلية، باختصار، تلك التعابير المجمِّعة ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والرياضي والترفيهي والمهني والسياسي التي يمنحها الأشخاص الحياة بشكل عفوي والتي تجعل النمو الاجتماعي الفعال ممكنًا لهم. كما ترون، أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، إنها مبادئ متوازنة وراسخة في العقيدة الاجتماعية للكنيسة. ومع هذين المبدأين أعتقد أنه يمكننا أن نقوم بالخطوة التالية من الحلم إلى العمل. لأنَّ وقت العمل قد حان.
تابع البابا فرنسيس يقول من الجيد أن نعرف أننا لسنا وحدنا في هذا. لقد حاولت الأمم المتحدة أن تحدد بعض الأهداف من خلال ما يسمى بأهداف التنمية المستدامة، ولكن للأسف إن شعوبنا وضواحينا لا يعرفونها؛ وهذا الأمر يذكرنا بأهمية مشاركة وإشراك الجميع في هذا البحث المشترك. أيها الأخوة والأخوات، أنا مقتنع بأنّه يمكننا أن نرى العالم بشكل أوضح من الضواحي. علينا أن نصغي إلى الضواحي ونفتح لها الأبواب ونسمح لها بالمشاركة. يمكننا أن نفهم ألم العالم بشكل أفضل مع الذين يتألَّمون. بحسب خبرتي، إنَّ الأشخاص، رجال ونساء، الذين عانوا من الظلم وعدم المساواة وسوء استخدام السلطة والحرمان وكراهية الأجانب يفهمون بشكل أفضل ما يعاني منه الآخرون وهم قادرون على مساعدتهم لكي يفتحوا دروب الرجاء بشكل واقعي. من المُهمِّ جدًّا أن يُسمع صوتكم، وأن يتم تمثيله في جميع الأماكن التي تُتَّخذ فيها القرارات! وأن تقدّموه كتعاون، وكضمان أخلاقي لما ينبغي القيام به. اجتهدوا لكي تُسمعوا صوتكم، وحتى في تلك الأماكن، من فضلك لا تسمحوا بأن يتمَّ تصنيفكم ولا تسمحوا لأحدٍ بأن يُضلّلكم ويُفسدكم.
وختم البابا فرنسيس رسالته بالقول لنُعِد التأكيد على الالتزام الذي قطعناه على أنفسنا في بوليفيا: أن نضع الاقتصاد في خدمة الشعوب من أجل بناء سلام دائم يقوم على العدالة الاجتماعية والعناية بالبيت المشترك. استمروا قدمًا في أجندة الأرض والبيت والعمل. استمروا في الحلم معًا. وأشكركم لأنكم تسمحون لي أن أحلم معكم. ولنطلب من الله أن يفيض بركاته على أحلامنا. لا نفقِدنَّ الرجاء. ولنتذكر الوعد الذي قطعه يسوع لتلاميذه: "سأكون معكم على الدوام"؛ وإذ أتذكّره، في هذه اللحظة من حياتي، أريد أن أخبركم أنني سأكون معكم أيضًا. لكن الأهم هو أن تدركوا أن الله معكم.