عندما زارت مريم، بعد بشارة الملاك لها، بيت إليصابات لتخدمها في الأشهر الثّلاثة الأخيرة لحبَلها بيوحنّا، وحيّتها إليصابات: "طوبى للّتي آمنت بأنّ ما قيل لها من قِبل الرّبّ ،سيتمّ" ( لوقا ١ / ٤٥ )، أجابت مريم: "تعظّم نفسي الرّبّ، لأنّه نظر إلى تواضع أمته".
إنّها تُنشد عظمة الله بابنه المتجسّد منها بالرّوح القدس، والذي كمّل صورة الله في أمته المتواضعة.
تُعظّم اللهَ لأّنه رفعها عاليًا وهي الوضيعة، فأضافت: "ها منذ الآن تطوّبني جميع الأجيال، لأنّ القدير صنع لي العظائم".
في شهر أيّار المخصَّص لتكريم مريم العذراء سيّدة لُبنان حريصا، حريصة على أولادها.
فكم من صلواتٍ وابتهالاتٍ تتصاعد من كنائسنا ، هذه الأمكنة المقدَّسة كالبخور وعطر الزّهور والورود، موضوعة بين يدي أمّنا مريم العذراء لترفعها إلى عرش ابنها يسوع المسيح الإله، ملك الملوك وسيّد السّادة.
لقد توافدنا في مسيرة الأجيال لنعطيها الطّوبى.
فيطيب لنا أن نُهنئكم جميعًا بهذا العيد صلاتنا إلى سيّدة لبنان لكي تحمي الوطن.
فيطيب لي أن أهنّئكم بهذا العيد، راجيًا أن يكون مصدر خيرٍ ونِعمٍ عليكم وعلى عائلاتكم، وعلى وطننا لبنان التي هي سيّدته وملكته وحاميته، وعلى بلدان الشّرق الأوسط التي اعتدنا أن نكرّسها سنويًّا مع لبنان لقلبها الطّاهر، ملتمسين لها السّلام والاستقرار وعودة مواطنيها اللّاجئين والنّازحين إليها، لكي يحافظوا على حقوقهم المدنيّة فيها، ويواصلوا كتابة تاريخهم ويعزّزوا ثقافتهم وحضارتهم وينقلوها إلى أجيالهم الطّالعة.
إنّ نشيد مريم الممتلئة من الرّوح القدس هو نشيد نبويّ، ذو بُعدٍ اجتماعيّ، بمعنى أنّ الله حاضرٌ في تاريخ البشر ليحقّق تغييرًا جذريًّا فيه بيسوع المسيح وثقافة الإنجيل.
إنّها أكبرُ ثورةٍ إجتماعيّةٍ في التّاريخ.
لكنّ هذا النّشيد لا ينحصر ببُعده الاجتماعيّ، بل هو ذو طابعٍ لاهوتيّ يؤكّد أنّ الله وحدَه الغنى الحقيقيّ.
لذا، مَن كان ممتلئًا من ذاته وشؤونه هو في الواقع فارغ.
أمّا إذا فتح قلبه لله ولمحبّته ولنعمة غفرانه، وانفتح بهذه الرّوح على الآخرين، يصبح غنيًّا حقًّا. المثَل الأسمى لهذا الغنى هو مريم.
من هذا القبيل، "تطوّب الأجيال مريم"، كما تنبّأت، لأنّها آمنت بالله، وسلّمت ذاتها له، لكي يحقّق عظائمه فيها ومن خلالها.
إنّا مع القدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني نرفع صلاتنا إلى أمّنا مريم العذراء سيّدة لبنان قائلين: "أيّتها الورديّة التي باركَتها مريم، أيّتها السّلسلة العذبة التي تصلنا بالله، يا رباط الحبّ الذي يوحّدنا بالملائكة، يا برج الحكمة تجاه هجمات الجحيم، يا ميناء الطّمأنينة من الغرَق العام، لن نترككِ أبدًا.
سوف تكونين عزاءنا في ساعة النّزاع.
لكِ آخر قُبلةٍ في الحياة التي تنطفئ.
وآخر لفظة على شفاهنا يكون إسمُك العذب، يا ملكة الورديّة، يا أمَّنا الأعزّ، يا ملجأَ الخطأة، يا معزّية الحزانى العظيمة. تباركتِ في كلّ مكان، اليوم ودائمًا، على الأرض وفي السّماء".
ومعكِ نرفع نشيد المجد والتّسبيح للثّالوث القدّوس الذي اختاركِ، الآب والابن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمــــــــــــين..