إنّهُ شهر مسبحة الورديّة المقدّسة يَطِّل علينا نَتبارك مِنّهُ.
هي مسبحة الورديّة قطفتها مريم العذراء وقدّمتها لأبنائها عربون محبّتها.
هي مسبحة تختصر الإنجيل في أبيات خمسة يتلوها المصلّون تحت راية أربعة أسرار مقدّسة: الفرح، والنّور، والحزن والمجد.
ومن أسرار الفرح، تنبعث البشارة لتزرع تواضعًا، والزّيارة محبّة للقريب، والميلاد تجرّدًا، وتقدمة يسوع إلى الهيكل طهارة، ووجوده في الهيكل طاعة.
وفي أسرار النّور، تسطع من المعموديّة نبوّة الآب، ومن عرس قانا الجليل تجدّدًا بالرّوح القدس، ومن إعلان مجيء ملكوت الله توقًا إليه، ومن التّجلّي الإلهيّ اتّباعًا لتعاليم يسوع، ومن العشاء السّرّيّ مشاركة في الذّبيحة الإلهيّة.
في أسرار الحزن، ها إنّ صلاة يسوع في البستان تعكس ندامة، والجلد إماتة للحواس، وإكليل الشّوك احتقارًا للمجد العالميّ، وحمل يسوع صليبه صبرًا وتسليمًا، وموته على الصّليب محبّة للأعداء ومغفرة لهم.
في أسرار المجد نرى "القيامة" تنهضنا من الخطيئة، و"الصّعود" إلى الشّوق إلى السّماء، و"حلول الرّوح القدس" إلى الإصغاء لإلهاماته، و"الانتقال" إلى الميتة الصّالحة، و"تكليل العذراء" إلى تكريمها.
هي باختصار مسبحة الورديّة السّلاح القاهر للشّرّ أي مشنقة الشيطان والخطيئة، هي غذاء الرّوح، و"مديح لذيذ على قلب يسوع وأمّه القدّيسة مريم العذراء.
اليوم، في شهر الورديّة المقدّسة، نردّد معًا الصّلاة الرّبّيّة ونرفع أيدينا على مثال يسوع إلى الله الآب السماوي الـقـُدُّوس طالبين مشيئته، مشجّعاً لِهذا العمل، أي العبادة الخاصّة التي ينتَظِرُها الآب السماوي من البشر.
سترون في النِهاية السماء وفقط في السماء، الجزاء العظيم الذي سيعطيكم إيّاه بشكلٍ فريد، ويعطيه لكلّ الذين سيعملون لأجل هذا الهدف.
لقد خلق الإنسان لأجلِهِ ، ومن العدل أن يَكون كلّ شيء لأجل الإنسان.
فلن يذوق الإنسان الأفراح الحقيقيّة بعيداً عن الآب، الآب الخالق، لأنّ قلب الإنسان لم يُصنَع إلاّ لأجلِهِ.
إنَّ حبّهُ لِمخلوقاتِهِ عظيم لدرجة أنَّهُ لا يَملك بهجة حقيقيّة سوى معهم فقط.
إنَّ عظمة مَجدِهِ في السماء لا تُحَدّ، لكن مجدَهُ يكون أعظم عِندما يَكون بين أولاده البشر في العالم أجمع.
إنّ سماء الآب على الأرض، هو صلاتكم الورديّة المقدسة جميعاً، أيّها البشر!.
أنتم تستطيعون إعطائهِ هذا الفرح، وهذا واجب يشتاق إليهِ ويترقّبه أبوكم وخالِقكم.
إنّ فرحَهُ بِوجودِهِ بينَكم لا يقلّ عن ذاك الفرح الذي كانّ يَشعر به عِندما كان مع ابنِهِ يسوع خِلال حياتِهِ على الأرض، هو الذي أرسَلْهُ.
حُبِل به بِواسِطة روحِهِ القدّوس، الذي هو هو : بكلمة، هو كان دائماً هو.
إليكم، يا مخلوقاتِهِ التي أُحبّها مثل ابنِهِ الذي هو هو ، يَقول لكم كما قال لإبنهِ يسوع : أنتم أولاده الأحبّاء الذين بكم سُررتُ، لأجل هذا هو فَرِحٌ برفقتكم ويَشتاق إلى البقاء معكم.
إنّ وجودِهِ بينكم كالشمس في العالم.
وإن كنتم على استعداد لِقبولِهِ ، سيَكون أقرب ما يمكن أن يكون إليكم وفي داخلكم، يُنيركم ويُدفئكم بحبِّهِ الأبديّ.
أمّا أنتم الذين في حالة الخطيئة، أو تجهلون الحقيقة الدينيّة، لا يستطيع الدخول فيكم، ولكنّهُ سيَكون قريباً منكم، لأنّهُ لن يَكفّ أبداً عن توجيه النِداء إليكم، ودعوتكم إلى الشوق، وقبول الخيرات التي يَحمِلُها إليكم حتّى تُبصِروا النور وتُشفَوا من خطاياكم. آمــــــــــــين.