بعد عماد المسيح وظهور الروح القدس حالًا عليه مثل حمامة، كان هذا إشارة لبدء خدمة المسيح، فيعلن هنا امتلاءه من الروح القدس وقيادته به، مع أن الروح القدس هو روحه منذ الأزل، ولكن هنا إعلان لنا ليعرفنا بالثالوث القدوس وأهمية قيادة الروح القدس لحياتنا.
† إن لم يمتلئ الخادم بالروح أولًا من خلال إرتباطه بالأسرار المقدسة والصلاة وقراءة الكتاب المقدس وأيضا خضوعه باتضاع لإرشاد الله، لا يستطيع أن يخدم خدمة ناجحة.
صام المسيح أربعين يوما قبل بداية خدمته، ليعلن أهمية الهدف وهو الحياة الروحية التي يصاحبها التنازل عن الماديات.
وكان يُجرب طوال الأربعين يوما من إبليس، ولم يقدر إبليس عليه لأن زهده بالصوم وانفراده للصلاة في البرية يُبطل كل قوة لإبليس كما قال المسيح نفسه عن الشيطان "هذا الجنس لا يمكن أن يخرج بشئ إلا بالصلاة والصوم" (مر ٩: ٢٩).
وقد صام المسيح أربعين يوماً فقط، كما صام موسى وإيليا حتى لا يصنع شيئًا فوق طاقة البشر، وجاع ليؤكد ناسوته الحقيقي الذي شابهنا فيه.
وبالتالي يمكننا أن نقتدى بصومه وصلواته مع الخلوة الهادئة فنغلب كل حروب إبليس.
فأتى الشيطان إلى المسيح في برية اليهودية، بعد أن شعر بالجوع لصومه أربعين يومًا، وركز كلامه عن احتياج المسيح للطعام.
فدائما إبليس يختار نقاط الاحتياج والضعف فينا ليحاربنا بها، ليكون كلامه منطقيا فنقبله ونسقط في الخطية.
وقد أراد هنا أن يستخدم المسيح قوته الإلهية لصالح راحته كإنسان، وهذا طبعا مرفوض لأن المسيح أتى ليشابهنا في كل شيء، ويحتمل أصعب الآلام من أجلنا وينتصر على إبليس، وهو في هذا الضعف البشرى، لننتصر نحن أيضًا فيه.
إن كنت أنت ابن الله: كلام إبليس تشكيكى استفزازى كعادته في حروبه معنا على ألسنة المحيطين بنا وأراد بسؤاله هذا أن يفهم حقيقة يسوع، فإن حول الحجر يعرف إنه المسيح ويبتعد عنه، وأن قال لا أقدر، يعلم أنه مجرد إنسان فيحاربه ويهزمه.
يقول الآباء أن إبليس يقدم فقط حجارة وليس خبزًا، لتصير قلوبنا حجرية قاسية.
ويقولون أنه قد يكون المقصود بالحجر هو البدع، فتصير حجر صدمة وصخرة عثرة لنا بدل كلام الله الطعام الحقيقي.
حول المسيح في أجابته النظر إلى موضوع أهم، هو الغذاء الروحي بكلام الله.
واعتمد في هذا على المكتوب في التوراه (تث ٨: ٣)، ليعلمنا ان نستند في حياتنا على وصايا الله.
† إن شبع الإنسان بكلام الله والتناول من الأسرار، يستطيع أن يحتمل آلام الحياة وضعف الجسد، ويكون قنوعا بما عنده حتى لو كان قليلا.
التجربة الثانية هي شهوة التملك على ماديات العالم، ولكيما يبهر إبليس المسيح في تجربته، أصعده على جبل عالٍ، لتظهر مساحات ضخمة من البلاد المحيطة بكل مجدها.
في جسارة وخداع، أعلن إبليس تسلطه على كل الأرض، وقدرته أن يعطيها لمن يريد، مع أنه لا يسيطر إلا على الأشرار، ولكنه كذاب من البدء، ويخدعنا ليهز إيماننا أن صدقنا أكاذيبه.
طلب من المسيح السجود له وهو سجود التعبد والخضوع، فيعطيه أن يملك على الأرض والبشر دون إحتمال آلام الصليب.
فهو دائما يدعونا إلى الحياة السهلة والإنهماك في اللذات ومحبة التملك، فنترك عنا حرصنا ضد الخطية وجهادنا الروحي، منشغلين بمباهج وإبهار العالم. هذا هو السجود الذي يطلبه منا، وبالتالي نترك عنا صلواتنا ومحبتنا لله.
لم يناقش السيد المسيح إبليس في أكاذيبه بإدعاء سلطانه على الأرض، ليعلمنا أن نهرب من الحوار مع أفكار الشيطان. ورد عليه بالمكتوب في الكتاب المقدس وهو السجود لله وحده (تث ٦: ١٣)، وكلمة يسوع قائلًا "اذهب"، لنتعلم طرد كل أفكاره، مهما بدت لذيذة ومغرية أو مقنعة.
† أين قلبك؟...إن كان لمحبة الله والتعلق به فلن تتأثر بكل إغراءات إبليس من المال أو الشهوة أو المقتنيات.
التجربة الثالثة بأورشليم في الهيكل أي أقدس مكان.
فإبليس يحارب في كل مكان حتى في الكنيسة.
وجناح الهيكل هو أعلى مكان فيه، ويكرر تشكيكه واستفزازه للمسيح، حتى يستخدم قدرته لمجده الشخصى، بأن يطرح نفسه من أعلى مكان وتحته الجموع محتشدة في الهيكل، ثم تظهر الملائكة حاملة إياه، لينزل بين الجموع ويبدأ خدمته.
فيبدو كلام إبليس مقنعًا، ولكن حقيقته هي جذب يسوع للكبرياء ومحبة الظهور وتمجيد الناس له.وخطية الكبرياء تحارب الكل خاصة من هم في منصب أو سلطان، وتحارب أيضًا الخدام والكهنة الذين في المكان المقدس.
إذ وجد الشيطان يسوع يستند إلى المكتوب، استند هو أيضًا على المكتوب ولكن بخداع وتفسير خاطئ، فقد أخذ جزءً من (مز ٩١: ١١، ١٢)، وهو ينطبق على حفظ الله لأولاده إذا صادفتهم أي مشاكل وتجارب من إبليس، كما توضح آية ١٣ "على الأسد والصل تطأ.
الشبل والثعبان تدوس"، أي يحفظهم الله بملائكته وينتصرون على إبليس الحية القديمة.
وليس المقصود بهذه الآيات استعراض لقوتنا لنوال كرامة من الناس.
رد يسوع عليه بكلام الكتاب المقدس من (تث ٦: ١٦)، وهو أنه لا يصح أن نجرب الله لنختبر صدقه، بل نثق في وعوده إذا صادفتنا تجربة.
† احذر من السعى وراء الكرامة وحب الظهور، واثقا من وعود الله ومساندته لك، وعلى قدر ما تخفى نفسك، ترتفع في نظر الله ويجازيك ليس فقط في الأبدية، بل بسلام وفرح في هذه الحياة.
كل تجربة: أي التجارب المتنوعة طوال الأربعين يومًا.
بعدما أظهر إبليس حروبه المختلفة وهُزم أمام المسيح، فارقُه مخزيا ولكن إلى حين.
وعاد ثانيةً ليحاربه من خلال الكتبة والفريسيين ورؤساء الكهنة، وحتى تلاميذه مثل يهوذا الإسخريوطي.
† كن محترسًا دائمًا لأن إبليس لا يكل عن محاربتك، وإن ابتعد عنك قليلا إنتهزها فرصة للنمو الروحي حتى إذا عاودك في تجارب جديدة تنتصر عليه أيضًا فيزداد نموك ومحبتك لله.
/خادم كلمة الربّ/