بحيرة طبرية هي نفسها بحر الجليل، ولكن القديس يوحنا ينسبها إلى مدينة طبرية الحديثة، التي أنشأها هيرودس الذي كان رئيس ربع على الجليل. وكان عدد التلاميذ سبعة، منهم يوحنا وأخوه يعقوب، واثنان من التلاميذ وليسوا من الرسل.
"بعد هذا، أظهر أيضًا يسوع نفسه": عبارة تشير إلى تعدد ظهورات القيامة، بعد الظهورات السابقة، لإثبات لاهوت السيد المسيح كما سيتضح من نوعية هذه المعجزة.
رأى البعض أن ما صنعه بطرس هو ارتداد نحو العالم، ورأى البعض الآخر أنه ليس في هذا شيء، فالمسيحية لم تحرِّم العمل، بل هذا منهج نادى به القديس بولس في (أع 20: 34؛ 2 تس 3: 8).
وأكثر هذه الآراء اعتدالا، ما قاله القديس اغريغوريوس الكبير، وهو: "إن بطرس عاد إلى الصيد، ولكن متى لم يعد لجباية الضرائب، لأنه توجد أعمال لا يمكن العودة إليها بعد التجديد."
ويمكن القول أيضًا أن ما يؤخذ على بطرس هو عودته إلى المهنة الأولى، دون مصاحبة ذلك بأى عمل كرازى.
وبعد أن أُجهدوا وفشلوا في أن يمسكوا شيئا، كان ظهور الرب، الغامض في بدايته، والذي أزال الفجر بضوئه الخافت من غموضة، بادرهم السيد المسيح بسؤاله: "هل تملكون إداما؟ أي غموسا، والمقصود بالطبع سمكا، فجاءت إجابتهم النافية تعبيرا عن حالتهم.
وبالطبع، ما كان سؤال الرب هنا إلا تمهيدا للمعجزة القادمة.
يقدم السيد الرب نصيحة للصيادين - الخدّام - خائرى القوى، والمجهدين طوال الليل، تذكّرنا بالنصيحة الأولى التي تعرف فيها بطرس على السيد المسيح في (لو5: 4).
† ويمكن القول أن هذه المعجزة هي درس لما يحدث في حياتنا كل يوم، وفي حياة الخدّام بصفة خاصة، فنحن كثيرًا ما نعتمد على قلوبنا وفهمنا وخبراتنا دون الله، ولكن الاعتماد على الله وكلمته وراء النجاح الحقيقي، فلا قيمة لكل جهد انفصل عن الله العامل في كنيسته... ولا قيمة لعمل لا يباركه المسيح، وكأن المسيح يعطى التلاميذ والكنيسة هذا الدرس لنعمل به في كل أوجه حياتنا. فبطرس الذي تبع المسيح، عندما اعتمد على ذاته أنكره، بالرغم من حبه له.
أما عندما عمل الروح القدس به، ففى يوم الخمسين اصطاد بعظته 3000 نفس (أع 2: 41)؛ ألم يكن ذلك سمكا كثيرًا...؟!
"كان عُريانا": بسبب أنهم كانوا في الصيد، خلع بطرس كل ما يعيقه عن عمله، وكان يوحنا، ذو القلب المحب والأكثر تيقظا، أسرع إيمانيا في إدراك ما يحدث، وربط الأحداث ببعضها.
ولهذا، جاء إعلانه قويًّا وثابتًا ومُفْرِحًا: "هو الرب".
وبالرغم من أن الطبيعي أن يلقى بطرس بنفسه كما هو، إلا أنه أتى بفعل غير طبيعي، فقد لبس ما قد خلعه قبل أن يلقى بنفسه في الماء. ولنا أن نفهم أن ما فعله بطرس:
أولًا: يتناسب وكرامة الله التي تغطى الملائكة أرجلها ووجوهها أمامه.
ثانيًا: يُرجِع لبطرس نفسه، فهو ما زال يحس بالخزى بسبب خطية إنكاره، فكأنه لا يستر جسده فقط، بل نفسه العارية التى، وإن بكت بكاء مرا، لم تسمع بعد من السيد غفرانه لها.
كانت المسافة حوالي ٩٥ مترًا بين مكان السفينة والشاطئ، والأهم هو المعنى الروحي التأملي هنا، فالسفينة هي الكنيسة، والتلاميذ هم كهنتها وخدامها، والسمك هو النفوس التي جذبتها الكنيسة، من الغرق في العالم، إلى شاطئ النجاه الروحي...
† وعند خروج كل من كان له تعب في الخدمة وسحب النفوس إلى الله، يجد المسيح الكلى القدرة قد أعد له طعاما ونصيبا سمائيا، كأنه يكافئ مكافأة خاصة كل من له تعب وسهر في صيد النفوس إليه.
"قدموا... أمسكتم...": نلاحظ شيئين:
أولًا: أن ما أمسكه التلاميذ أساسا هو معجزة صنعها الرب، ولكن الله ينسب عمله، باتضاعه، إلى أولاده...
ثانيا: أنه يريد أن يقدموا من شباكهم، إضافة لما أعده هو لهم، وذلك ليشركهم معه في المائدة وبفرحهم.
† وهذا يعلمنا شيئًا هاما، وهو أن الله هو العامل. ولكن، على الإنسان أيضًا أن يقدم ما عنده من طاقة وجهد ومال إلى الله، فيتحد المحدود والضعيف مع عمل الله اللانهائى القدرة.
كان السمك كبيرا جدًا ووفيرا (153)، وهو عدد فوق الخيال أن يخرج من دفعة واحدة.
وهو يعني أنه بالرغم من ظلام العالم وكثرة الحروب الروحية، فكنيسة المسيح، بقوة عمله، قادرة على جذب النفوس الكثيرة والكبيرة، لأنها تأتي بكامل قدراتها ومواهبها إلى الملكوت، مهما كان الليل (ظلام العالم) طويلا وحالِك الظلمة.
"هلموا، تَغَدَّوْا": الله هو مصدر كل غذاء.
ألم يَعُلْ قبلا الشعب في البرية، وكذلك في معجزة إشباع الجموع؟ فهو مصدر شبع كل الذين يتبعونه إشباعا من جميع النواحى... شبعا روحيا وماديا.
"لم يجسر أحد...": تشير إلى مهابة الشخص ومهابة الموقف نفسه.
ويقول القديس يوحنا سببا آخر لعدم سؤاله، وهو علمهم ويقينهم أنه هو الرب يسوع، وكأن الموقف لم يَقْتَضِ سؤالا.
ولعل حذرهم وهيبتهم من هذا الموقف جعلهم وقوفا، بالرغم من دعوة الرب لهم بالأكل، فتقدم الرب المسيح بنفسه وأخذ الخبز والسمك، مستكملا مسيرة اتضاعه.
فهو، الإله السيد، يقدم ويقوم بواجب الضيافة لتلاميذه... وبالطبع، عندما قال القديس يوحنا "هذه مرة ث.الثة"، لم يقصد بهذا أنها المرة الأخيرة، ولكنه تسجيل تتابعى لما أورده في الظهورات السابقة.
/خادم كلمة الربّ/