وجه المسيح - بعد الأكل - حديثه إلى بطرس، ولكنه ناداه باسمه البشرى، وليس الاسم الذي أعطاه له كرسول، إذ أنه، بإنكاره، هبط إلى مستوى الإنسان العادي: "أتحبنى أكثر من هؤلاء؟"وهنا، يستعيد بطرس ما سبق وقاله في كبرياء، مفرزًا نفسه عن باقي الرسل (راجع مت ٢٦: ٣٣؛ مر ١٤: ٢٩)، فأجاب: "أنت تعلم أنى أحبك."
فكان تعليق المسيح تكليفا لبطرس بأن برهان الحب الحقيقي هو رعاية الخراف، أي النفوس أو الكنيسة، فحب الخادم الأمين لسيده هو رعاية أبنائه بكل أمانة وتفانٍ وبذل، وليس بالكلام أو ادعاء هذا الحب الذي قد يخور، بسبب ادعائنا الباطل، أمام التجارب، كما حدث أولًا مع بطرس.
يكرر السيد المسيح السؤال مرتين بعد الأولى، ليقابل إنكار بطرس ثلاث مرات. وفي كل مرة، يوصيه أن الاعتذار الحقيقي الذي يقبله منه، هو رعاية شعبه.
إلا أنه في المرة الثالثة، يوضح لنا القديس يوحنا حزن بطرس لتكرار السؤال، فأراد أن يدفع عن نفسه تهمة عدم حبه للمسيح، فقال له: "أنت تعرف"، أي أنك لست محتاجا لإجابتى على السؤال، فأنت فاحص القلوب وتعلم ما بداخلها... وتعلم أيضًا أننى, وإن كنت أنكرتك، فهذا عن ضعف بشرى.
ما قاله هنا المسيح لبطرس مباشرة، ينطبق علينا جميعا بصورة غير مباشرة في معناه الروحي.
فالإنسان في حداثته الروحية، وقلة خبراته الإيمانية، يعتمد على ذاته وعلى ذراعيه البشرية في الخدمة وحياته عامة.
ولكن، عندما ينمو ويزداد خبرةفي حياته الروحية، فإنه يصير أكثر اتضاعا وطاعة لعمل الروح القدس، فتختفى الذاتالبشرية، وتحل مكانها حياة التسليم الكامل للإرادة والمشيئة الإلهية.
أما المعنى المباشر لبطرس، الذي أوضحه القديس يوحنا : إنك يا بطرس، في حداثة إيمانك، كنت مندفعا، فتعد بما لا تقدر عليه. ولكن عندما تنمو، فالموت الذي أخافك قبلا، ستقدم عليه بقوة الروح القدس العاملة فيك، وتقبل الصلب منكس الرأس، وتصير حياتك في أواخرها واستشهادك، هما أكبر تمجيد تقدمه لاسمى القدّوس.
† ونحن جميعا، ما أحوجنا يا الله أن نتكل على عمل روحك القدّوس في حياتنا، مفرغين ذواتنا، ومادين أذرعنا، لتتولى أنت وحدك القيادة بإرادتك الصالحة؛ أما فكرنا نحن، فهو في غاية القصور.
/خادم كلمة الربّ/