سأل بطرس المسيح عن مدى احتمال أخطاء الآخرين والتسامح معهم، هل يسامح سبع مرات؟ وهذا الرقم ليس صغيرًا، لأن اليهود في كتابهم "التلمود"، يقولون أن التسامح ثلاث مرات. ويُفهم من سؤال بطرس أن التسامح له حدود ويسأل عنها.
أجاب المسيح: "بل إلى سبعين مرة سبع مرات"، أي ٤٩٠ مرة، وهذا رقم ضخم، والمقصود به هو التسامح بلا حدود، وعدم التفكير في مدى صدق المخطئ في عدم العودة إلى الخطأ.
† إن كان الله يطالبنا أن نتسامح بلا حدود، فهذا يطمئننا بأن رحمته واسعة جدا، وغفرانه لانهائى أيضا، ما دمنا نتوب ونرجع إليه، بشرط عدم التهاون، حتى لا نفقد روح التوبة ونترك الله.
يوضح المسيح فكرة الغفران بلا حدود للآخرين، فشبّه ملكوت السماوات، الذي نود أن نحيا فيه، وبدايته الكنيسة التي على الأرض، بملك (يرمز للمسيح الديّان) قدموا له عبدا، أي إنسانا خاطئا، مديونا بمبلغ ضخم جدا، وهو عشرة آلاف وزنة، ولمعرفة مدى ضخامة هذا المبلغ، نقول إن الذهب المستخدم في هيكل سليمان بكل عظمته كان ثمانية آلاف وزنة.
والمقصود أن خطايا الإنسان في حق الله ضخمة جدا، بل بلا حدود، لأن الله غير محدود والخطأ في حقه عقابه غير محدود.
ظهر عجز هذا العبد، أي كل إنسان فينا يخطئ في حق الله، وبالتالي كان حكم الملك (الله) عليه، أن يباع هو وزوجته وأولاده، أي جسده ومواهبه، لعلها توفى شيئًا مما عليه، ولكنها لا تفيد شيئًا أمام هذا الدين الضخم جدًا. وبهذا، يظهر ضعف وشر كل إنسان فينا أمام العدل الإلهي.
سجد هذا العبد طالبا التمهل عليه، حتى لا يباع، أي يُسلّم للشيطان والعذاب الأبدي. وهنا، يظهر غفران الله له، إذ سامحه وأطلقه هو وزوجته وأولاده، والمقصود كما ذكرنا بزوجته: جسده؛ وبأولاده: مواهبه. أي بدم المسيح الفادي رُفعت عنا خطايانا، وأعطانا تجديدا لأجسادنا وأرواحنا وكل مواهبنا.
فالله بحنانه لم يستجب طلبة العبد فقط، أي التمهل عليه، بل رفع عنه الدين، لأنه يعرف عجزه عن إيفائه مهما أُعْطِىَ له من الوقت.
بعد أن تحرر هذا العبد من ديونه، وجد عبدًا رفيقه، أي إنسانًا أخطأ في حقه، مديونًا له بمائة دينار، وهو مبلغ ضئيل جدًا لا وجه لمقارنته بالعشرة آلاف وزنة (فهو يساوى واحد إلى مليون وربع).
"عشرة آلاف": يرمز رقم عشرة إلى خطأ العبد القاسى في الوصايا العشر، ويرمز رقم ألف إلى الأبدية، أي أنه يستحق العقاب الأبدي.
ورغم توسل العبد الثاني للأول أن يتمهل عليه، فإن العبد الأول كان قاسيا، ولم يغفر أو يسامح أخيه، بل ألقاه في السجن، أي يريد إهلاك نفسه وعذابه الأبدي.
لما رأى العبيد رفقاؤه ذلك، وهم يمثلون الكنيسة، حزنوا جدًا، فصلوا من أجل العبد الثاني المُلقَى في السجن.
وسمع الملك، أي الله، من الكنيسة، وأحضر العبد الأول ووبخه بشدة لقساوته، وعدم تقديره للغفران الإلهي الممنوح له، وقسوته في عدم الغفران لأخيه.
وأمر أن يلقى في السجن، ليوفى ما عليه حتى آخر فلس من كل ديونه. والمقصود أن يظل في السجن، أي العذاب إلى الأبد، لعدم تسامحه مع من أخطأ إليه، لأنه لن يستطيع إيفاء هذا الدين غير المحدود.
يؤكد المسيح في نهاية المثل أن المقصود منه عدم تسامح الله مع من لا يسامح غيره. وقال أبى، لأن من لا يسامح غيره لا يستحق أن يُدعَى الله أباه، فلم يقل أبوكم.
† قدم توبتك كل يوم أمام الله، واثقا من غفرانه، فتقترن توبتك بالشكر الكثير.
وإذ تجاهد لإصلاح أخطاءك، يسندك الله فيزداد شكرك له، وحينئذ تكون شفوقًا على المسيئين إليك لأنهم مرضى مثلك، يحتاجون للغفران الإلهي والدواء الشافى منه.
فلا تتضايق منهم، لأن خطاياك في حق الله أعظم، بل تصلى لأجل نفسك ولأجلهم، فتشملكم جميعا مراحم الله.
/خادم كلمة الربّ/