كان متى - كاتب هذا الإنجيل - يعمل جامعا للضرائب، وكانت هذه المهنة ترتبط بالقسوة والظلم ومحبة المال، لأن جامع الضرائب كان يدفع أولًا للسلطة الرومانية الضريبة المطلوبة عن القرية أو المكان الموكل عليه، ثم يجمعها بمساعدة العساكر الرومانيين، فكان يجمع أكثر مما دفعه مهما كان فقر الناس.
ولكن، عندما رأى يسوع وسمع كلامه، تحركت مشاعره، فأطاع دعوته، وترك كل أعماله وأمواله وخطاياه، متكلا عليه، ولم يستشر أقاربه وأحباءه حتى لا يتعطل.
وتظهر هنا محبة المسيح واتضاعه، أن يدعو تلاميذه من الصيادين، أو الأشرار مثل متى العشار المعروف بالقسوة والعنف، لكي يطهّـرهم ويملأهم بروحه القدّوس، فيكون المجد له وليس للقوة البشرية.
"مكان الجباية": غالبًا خيمة ضخمة، تقام على الطريق لجمع الأموال فيها تحت حراسة الجند الرومانيين.
"اتبعنى": قد يكون سمع عن المسيح قبلا ورآه، فكان له استعداد أن يطيعه فورا عندما يدعوه.
العشارون والخطاة: نظرا لطمع وقسوة العشارين، ارتبط اسمهم بالخطاة، وكانوا مرفوضين من المجتمع اليهودي.
بعدما تبع متى المسيح، فرح قلبه جدا، فاشتاق أن يتمتع زملاؤه من العشارين والخطاة بمعرفة المسيح. فبحكمة روحية، صنع وليمة للمسيح، دعا إليها كل أصدقائه ليسمعوا ويتوبوا عن خطاياهم. وقد قبل المسيح الدعوة، لأنه أتى لخلاص الخطاة وليس الأبرار.
لكن الفرّيسيّين المتمسكين بمظاهر الحياة الروحية وليس جوهرها، وبكبرياء ينتقدون الآخرين، وبخوا تلاميذ المسيح، لأن معلمهم يجلس ويأكل مع الخطاة. فاهتموا بالمظهر دون أن يبحثوا عن سبب وجوده في الوليمة، أي اهتمامه بخلاص هذه النفوس.
"سمع يسوع": كان كلام الفرّيسيّين مع تلاميذه، لأنهم خافوا أن يكلموه، أما هو، فبقوة، أعلن لهم خطأهم في الابتعاد عن دعوة الخطاة للتوبة بحجة عدم التنجس بمخالطتهم، وأظهر لهم المسيح سبب تجسده، وهو دعوة الخطاة للتوبة، وهذا منطقي، إن الطبيب يذهب للمرضى وليس للأصحاء؛ فمن الطبيعي أن يهتم المسيح بالبعيدين ليتوبوا عن خطاياهم.
عاتبهم يسوع بلطف، مطالبًا قلوبهم بالرحمة على الخطاة، أهم من تقديم الذبائح بدون فهم، لأن الذبيحة رمز لتضحية المسيح بحياته على الصليب حتى يرحم الخطاة، وهذه الكلمات أعلنها قبلا هوشع في (هو 6: 6).
"أبرارا": في أعين أنفسهم، لأنه لا يوجد إنسان بار، بل الكل خطاة محتاجين لفداء المسيح."خطاة": أي المشهورون بخطاياهم مثل العشارين.
* اهتم بالبعيدين لتدعوهم للمسيح، وَصَلِّ لأجلهم، وابحث عن طرق لجذبهم إلى الله، إن لم يكن بالكلام المباشر، فبالكلام غير المباشر مثل التحدث مع آخرين أمامهم، أو تقديم كلمات مشجعة أو أعمال محبة تلين قلوبهم، حتى يرجعوا عن رفضهم لله.
/خادم كلمة الربّ/