بيان ترشّح سيمون صفيـر إلى رئاسة الجمهوريّة اللبنانيّة
بيان ترشّح سيمون صفيـر إلى رئاسة الجمهوريّة اللبنانيّة
29 Dec
29Dec
يطلّ علينا الاستحقاق الرئاسي في لبنان النازف، وكلنا أمل بأن يتحمّل نواب الأمّة اللبنانيّة مسؤوليّاتهم ويتفانوا في محبة وطنهم وشعبهم الذي محضهم ثقته اقتراعاً ديموقراطياً في صناديق الانتخابات ليكونوا الوكلاء الأمناء والأوفياء لناخبيهم، فيتنافسوا على خدمة لبنان الذي طالت مراحل عـذابه وآلامه، فيما هم في الحـقيقة، وبغالبيتهم ، يقصّرون في القيام بواجبهم الوطني الذي يفرضه عليهم الدستور، فيتركون الشغور في موقع الرئاسة الأولى يمتد إلى أشهر ويسيطر على المشهد السياسي حيث تكثر الفراغات والكيديات والشروط المسبقة التي تحـدّد مواصفات المرّشح الرئاسي، ويتفاقم خطرها كيف لا والجمهورية من دون رأس، فيما الدستور اللبناني يلزم النواب، بعـقـد جلسة إنتخابيّة في مجلس النواب، بعد اكتمال النصاب، بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، وبالغالبية المطلقة في الدورات التي تلي، حتى انتخاب رئيس جمهورية، بحسب ما ورد في المادة 49 من الدستورالذي ينص في مادته الثانية على أن: إنتخاب رئيس الجمهورية قبل موعد إنتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدّة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم مجلس النواب بناءً على دعـوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد. وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل إنتهاء ولاية الرئيس (مادة 73).
ويعتبر مجلس النواب الملتئم لإنتخاب رئيس الجمهورية هيئة إنتخابية لا هيئة إشتراعية ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أي عمل آخر (مادة 75).
وبطبيعة الحال، لم يتطرّق دستورنا إلى أي سبب قانوني لتبرير تعـطيل العـمليّة انتخاب الرئيس من قبل النواب ورئيس المجلس النيابي، كما وأنّه لم يتضمّن أي بند أو فقرة عـن تسويات إقليميّة ودوليّة تسهّل هذا الاستحقاق الذي يجـب أن يحصل في موعـده تماماَ كما هو الحال بالنسبة إلى الأم الحامل التي تضع مولودها في الوقت المحدّد لهذه الولادة الجـديدة والحـياة الجـديدة، فيما شعبنا يتوق إلى ولادة رئيس جـديد للجـمهوريّة، يضخ في شرايينها دم الحـياة الجـديدة إذ يلد من رحم مجلسهم النيابي بعـد تمخّـض عسير، يعـقبه بزوع نور عهد خـلاصيّ منتظر!
هكـذا، وَفَـور انتخاب الرّئيس، وهو القائد الأعلى للقوات المسلّحة الذي يرئس المجلس الأعـلى للدفاع، وَ رمز وحدة الوطن، ينطلق العهد باستشارات نيابية ملزمة تجـمع النواب بالرئيس في القصر الجمهوري بهدف تشكيل حكـومة إنقاذيّة فاعـلة، من أصحاب الأدمغة والإبداع في المجالات كافة، تعمل كفريق عمل متجانس، لتخـرج لبنان من الرّكـود الذي يعاني منه، على أن يبادروا إلى تأليف مجـلس شيوخ وتنفيد اللّامركزيّة الإداريّة الموسّعة والتزام الحـياد، تطبيقاً لما ينصّ عـليه الدّستور، والتزام معاهدة الهدنة الموقّعة بين لبنان وإسرائيل العام ١٩٤٩، ووضع خطّة نهوض إقتصادي مستدام واجـتراح حـلول عـملانيّة لكلّ المشكلات العالقة ولا سيّما في ما يخصّ الأزمات المرتبطة بالقطاع الكهربائي والمائيّ والمصرفيّ بحـيث يستعـيد المودعـون أموالهم المنهوبة من المصارف، وتستعـيد الدولة أموالها المسروقة والمهدورة ممّن تجاسروا ومدّوا أيديهم القذرة على المال العام، بشتى الطرق الملتوية والأساليب المقونَنة، ولا سيما باستغلال المناصب الدستورية وصرف النفوذ، طيلة عقود من الزمن، وهذا ما يحـتّـم على الرئيس المنتخـب وعلى السلطة القضائية وأجهزتها الرقابيّة الإسراع في إنجاز التدقيـق المالي الجنائي ليُجازى بالعـدل كل مرتكب ومجـرم بحسب ارتكاباته وجـرائمه، وقد يقول قائل أن هذا حـلم صعـب التحـقيـق، فيما هو من صلب مسؤوليّات وأولويات الرئيس الجـديد الذي يدعـمه شعبه ويطالبه بتحقيق هذا الحلم!
ولا يسعـنا، في جـو المتغيـّرات السياسيّة الداخليّة والإقليميّة التي طرأت أخـيـراً، والتي نأمل أن تكون لمصلحة لبنان وخـير شعـبه، إلا أن نحـث الحـكـومة المنتظر تشكيلها، لكي تمتنع في بيانها الوزاري عـن تغطيتها لأي عـمل عـسكري ل "حـزب الله" الموالي لإيران والمرتبط بها عـضويّاً وعقائديّاً على حساب العـقيدة اللبنانيّة، وتلـزمه، بالتالي، بالتحوّل إلى حـزب سياسي لبناني، يعـمل تحت سقف الدولة اللبنانيّة ويخضع لقوانينها المرعـية الإجـراء أسـوةً بكل اللبنانيين عـلى حـد سواء، بعـد تسليمه السّلاح إلى الدولة التي تحـصره بمؤسّسة الجـيش اللبناني وباقي الأجهزة الأمنيّة والعـسكريّة الشرعـيّة المسلّحة ، والتزامه بقرارات الحـكـومة دون سواها، هي التي تلتزم بتعهّداتها تجاه الدول وبشكل خاص تجاه منظّمة الأمم المتّحـدة والأسرة الدوليّة ولا سيّما المانحة منها وتجاه قـراراتها الدوليّة، وخـصوصاً في كلّ ما يتعـلّق بقـرار السّلم والحـرب المصيري، (من ضمن ما يسمّى بالاستراتيجـيّة الدفاعـيّة) وتلزمه، استطراداً، بإعلان ولاءه وانتماءه إلى لبنان الدولة والكيان والهوية والثقافة والدور الرّيادي كجـسر تواصل حـضاري بين الشرق والغـرب.
أمام تراكم الأحـداث وتسارعها في منطقتنا، بات من الضروري أن يتخلّى القادة السياسيّون والحـزبيّون في وطننا عـن نغـمة أحجام الكتل النيابية لكلّ منهم والتي تعـوّدوا تشكيل الحـكـومات على أساسها، وتقاسم الحـصص، ويحكّموا ضميرهم، ويتواضعـوا ويطلبوا الحكمة من الله، ويتجـرّدوا عـن مصالحهم الخاصّة خـدمةً للمصلحة الوطنيّة العـليا، فيبادر الجميع إلى تأليف حـكـومة تيكنوقـراط، بحـيث يُعـتمد في تشكيلها مبدأ فـصل السّلطات، فيتم الإمتناع عن توزيـر أي نائب، ليتسنّى لمجـلس النواب مساءلة ومحاسـبة الحـكـومة، بعـدل وشفافية، ويكون من أبرز مهام هذه الحـكـومة، تعـزيـز القـدرات العـسكـريّة والقتاليّة للجـيش اللبناني، براً وبحـرا وجـواً، ولا سيّما في المجالات التكنولوجـيّة، وتعهد إليه، في المطلق، مهمة الدفاع عـن لبنان وحـدوده وسلامة أراضيه دون غـيره من الأحـزاب والميليشيات والمجـموعات المسلّحة، بحـيث تكـون له وحـده وللأجهزة الأمنيّة والعسكريّة الشرعـيّة حـصريّة حـيازة السّلاح الحـربي واستخـدامه حـيث تدعـو الحاجة، لمواجهة وردع أي اعـتداء والتصدّي لأي خـطر داهـم، ذوداً عن الأرض والعـرض وسيادة الدولة، كما يكون من أبرز مهامها المنصوص عـنها في جـدول أعـمالها، وضع حد لأزمة النزوح السوري المنتشر عـلى امتداد الجـغـرافيا اللبنانيّة، وأزمة اللّجـوء الفلسطيني المزمن في مخـيّمات لا تخـلو من السلاح الحـربي الذي تهدّد به الفصائل الفلسطينيّة الحـزبيّة أرضنا وأمننا القـومي، ما يؤثّـر سلباً على اقتصادنا وعلى الديموغـرافيا اللبنانيّة، ولا بد من إحـقاق حقوقهم بتفعـيل مشروع عـودتهم إلى ديارهم بعـد طول غـربة بفعـل التهجير القسري، وقد ضاق وطن الأرز ذرعاً بكلّ مَن وما يسيء إليه، ولم يعـد بوسعه احـتمال ما تعجـز أي دولة عـربيّة صديقة عـن احـتماله، وقد عـيل صبره، وآن الأوان ليريح الضيوف هؤلاء ويرتاح، بعـد أن دفع غالياً ثمن الصراع العـربي - الإسرائيلي، وكـنّا خـسرنا أرضنا لولا استبسال رجال المقاومة اللبنانية المسيحـية في مطلع حـرب الآخريـن على ترابنا سنة 1975 لحـظة اندلاع شرارة المؤامرة المشؤومة، هي التي موّل إشعال نيرانها أعـداء لبنان اللدودين، وكان أن حـدثـت الأعجـوبة الإلهيّة بكسر شوكة هؤلاء الطارئيـن، المارقيـن والطامعـين بأرضنا وخـيراتنا، ولولا هذا التدبير الإلهي لكان تحـوّل وطن أرز الرب الخالد إلى وطن بديل للفلسطينيّين أو إلى محافظة سوريّة!
لذلك، يستحـق الشعـب اللبناني أن يخـرج من غـياهب المؤامرات والمغامرات والمناورات والمهاترات السياسيّة التي تستنزفه، ويكافأ بانتخاب رئيس لجمهوريته يحاكي تطلّعاته وآمالاه وأحلامه ويرعاه رعاية الأب الصالح ويجاهد في سبيل تحـقيق أهداف أبناء شعبه، وهي أهدافه الوطنيّة السامية، كما يستحـق شهداء الجـيش اللبناني والأجهزة العسكرية وشهداء مقاومتنا الأبرار أن يكافأوا هم أيضاً برئيس جـمهورية، رجـل دولة، ينحـني أمام تضحياتهم ويكرّمهم، كيف لا وهم الذين بذلوا أرواحهم دفاعاً عن أرض أجـدادهم وعن قضيّة حـضورهم في هذه البقعة من الشرق، وكلمة حـق تقال، ويعترف بها كل مسلم شريف شريك في الوطن، أن لولا المقاومة الوطنية المسيحية لما بقي لبنان ولا جمهوريّة ولا مجلس نيابي ولا حـكومة ولا أي مركز دستوري... نعـم، يحـق لهم أن يهنأوا وهم يرقـدون عـلى رجاء القيامة، فيما عـيون الشعـب اللبناني الدامِعة شاخـصة عـلى حـدث قـيامة لبنان، وانتقاله من الظلمة إلى النور، بقوّة الله صانع المعجـزات!
نعم، يحـق للشعب اللبناني الحـرّ أن يفرح ويهلّل لانتخاب رئيـس جمهـورية كـفـؤ، سيّد، حـرّ ومستقلّ، يكون الحاكم والحَكَم، يتم اخـتياره من خارج الاصطفافات السياسيّة والحـزبيّة والتبعـيّات لمحـاور خارجـيّة، يرقى إلى مستوى مآربه وانتظاراته وطموحاته، يعيد إلى الدولة وإلى الرئاسة الأولى هيبتها وجلالها، ينفّذ خـطاب بل صلاة قسمه الذي يتلوه أمام المجلس النيابي والشعـب اللبناني والرأي العام العالمي، بعـد طول فراغ مقصود في الموقع الأوّل في جـمهوريّتنا، ولا سيّما بعد التحـوّلات المفاجـئة الإيجابيّة التي حـصلت أخـيراً، وبعد انتهاء العـدوان الإسرائيلي الذي أنزل بلبنان أفـدح الخـسائر بالحجر والبشر، وخصوصاً بعـد سقوط النظام البعـثي الديكتاتوري الحاكم في سوريا والذي ذقـنا منه الأمرّيـن، طيلة عـقـود من الزمن، وهو الذي جـثم على صدور السّوريين منذ العام ١٩٧٠، حتى الأمس القـريب، ليلة هـروب رأس النظام البائد وعائلته إلى روسيا، ملطّخاً يديه بكلّ أنواع الإجـرام الموصوف، ولا سيّما الجـرائم ضد الإنسانيّة، التي يعاقـب عـليها القانون الدولي، ما يحـتّم عـلى لبنان الرسمي إلغاء كل الاتفاقيّات الرسميّة التي أبـرمت بين الحكـومتين اللبنانيّة والسوريّة، ولا سيّما في زمن الاحـتلال السوري للبنان الذي تم دحـره في العام ٢٠٠٥، وبالتالي فتح صفحة جـديدة من العلاقات الأخـوية بين الدولتين، ورئيس كلّ منهما، والحكـومتين، وذلك على المستويات كافة، وفي كل مجالات التعاون والتنسيق، بطريقة متكافئة ونديّـة لما فـيه مصلحة البلدين وخير الشعبين، ونصرةً للحق.
نعم، يحـق للشعب اللبناني الحـر، بكل أطيافه ومكوّناته، وهو مصدر السلطات، أن يرفض الفوضى والحـكم الاوليغارشي (الذي يعني حكم الـقـلّـة التي تنجـح في البقاء في مواقع السّلطة) ويرفض التحالفات المصلحـيّة الآنيّة، والتحاصص الطائفي وطغيان مجموعة طائفية على مجموعة طائفية أخرى، واستمرار أي حـزب في لبنان باحـتكار القرار السياسي وتمسّكه بسلاحه واستقوائه به منتهجاً الابتزاز السياسي الممجوج، مدّعـياً الجهاد لتحـريـر أورشليم القدس من اليهود بهدف أسلمتها، وهذا ما يفعله، للأسف، حـزب الله المشارك في الحكـومة وفي المجـلس النيابي وفي أكثر من وظيفة عامَة، فيما يخالف القرارات الأمميّة التي تلتزم بها الحـكـومة متـذرعـاً بالتغـطية السياسية، التي يرفضها ذوو الضمير الحي من شعبنا عاشق الحرية، وهي التي تؤمّنها له الحكـومة في بيانها الوزاري ليستمر في القيام بنشاطه العسكري ضد العـدو!
لذلك، ولوضع حـد لهذا الواقع المرفـوض، بل لحالة الاستنزاف المستمر والكارثيّ، لا بد من تقديم اقتراح إلى المجـتمع الدولي، وخـصوصاً إلى منظمة الأمم المتّحـدة، لتحـويل أورشليم القـدس إلى مدينة أمميّـة مقـدّسة Cosmopolitan Holly City تحـميها قـوّات عـسكريّـة دوليّة متعـدّدة الجـنسيات UNIFIL تحـفظ أمنها ، كيف لا وهي أرض المسيح، وفيها مراكز حج ديني للأديان اليهوديّة والمسيحيّة والإسلاميّة، بحـيث لا يسيطر عـليها أي فـريـق سياسي أو حـزبي أو أي جـيش آخـر... وهكذا تنتفي ذريعة "تحـريـر القدس" التي "تجاهـد" المقاومة الإسلاميّة تحـت لوائها وانطلاقاً من أرض لبنان تحـديداً، هو الذي جـرّت عـليه هذه المقاومة المصائب والويلات والخـراب والدمار والتسبّب بسقوط مئات الضحايا والجـرحى، بالإضافة إلى تشويه سمعة لبنان وزعـزعة منعة دولتنا!
على هذا الأساس، وانطلاقاً من تخصّصي في مجال الهندسة الداخـليّة والزخـرفية، وممارستي لها ولفن الرّسم والكتابة، والتزاماً منّي بالمسؤوليّة الوطنيّة الملقاة عـلى عاتقي، أعـلنُ، بنعـمة الله، وفي زمن ميلاد ربّنا وإلهنا يسوع المسيح، ملك الملوك ومخلّص البشريّة جـمعاء، ترشّحي لمنصب رئاسة الجمهوريّة اللبنانيّة، في هذا الشرق حـيث تطغى الإيديولوجيّات الإثنيّة على حساب التّطوّر الفكري ومواكبة العـصر والحـداثة، فيما المطلوب الإعلاء من شأن الشعوب بانتهاج أساليب الإبداع في العـمل السّياسي- الإنساني، ويفـرحـنا ارتقاء بعض قادة الدول العـربية إلى مستوى هذا الإبداع إذ بدأوا بالاستفادة من تجارب دول العالم الأول المتطوّر إذ أخـذوا يحـذون حـذوها في الكثير من المجالات، ونجحـوا في تحـقيق إنجازات باهرة في مختلف الميادين، فيما لبنان الذي كان وما يزال مثالاً أعلى يحـتذى لكثيرين من حكام الدول العـربية الصديقة الذين يحـبّون لبنان محـبّة صادقة تشاركهم إيّاها شعوبهم، لا ينقصه سوى الاستقرار والسلام ليستعـيد دوره بسرعة، إذ يتمسّك شعـبنا بإرادة الحـياة والمبادرة والانتفاضة الإيجابيّة، وهو في كامل جهوزيّته للعـمل، بعد استنهاض هـمّـتـه!
هذا ما أسعى أن أحـقّقه، مستثمراً الوزنات التي أغـدقها الله عليّ، مستلهماً تعاليم معلّمي الإلهي يسوع المسيح في إنجـيله المقدّس، وهو دستوري الأول، وهي أمانة يدعوني إيماني إلى تفعـيلها وتخـصيبها لما فـيه خـيـر وطني المحـتاج إلى نخـبة من الرجال والنساء أصحاب الاختصاصات الأكاديميّة والمهارات المهنيّة عـلى اختلافها للمشاركة في ورشة بناء الدولة الحـديثة المتوخّـاة بكل أجهزتها ومؤسّساتها وإداراتها وبناها التحـتيّة، ومن أهـم وأرقى المشاريع الأساسيّة والجـوهـريّة التي لا بدّ من تنفيذها، مشروع الإصلاح القضائي الذي به يتمّ إصلاح وترميم واستنهاض لبنان الذي نسعى إليه، ونرسم له خارطة طريق للانتقال إلى الجمهورية الثالثة المتطوّرة، ليواكـب العـصر ويبلغ من التطوّر والازدهار والاستقرار والسّلام ما يخـوّله أن يصير من دول العالم الأوّل بدلاً من أن يظلّ مصنّفاً من دول العالم الثالث النامي الذي يستجـدي الخـدمات والحـلول من الخارج ولا سيّما من الدول العـظمى، التي نفتخر بصداقتها، فيما هو وطن الستة آلاف سنة من الحـضارة، وعاصمته بيـروت " أم الشرائع " والتاريخ شاهد عـلى أمجاد وطننا الإستثنائي، "وقف الله" عـلى الأرض!
ولكي لا يظل الكلام في خانة التنظير، لا بدّ من ترجمة القول بالفعـل عبر الانتقال من هذا التنظير إلى التنظيم ! كيف؟ بالتشريعات النيابية، وعبر انتظام عـمل المؤسّسات الدستورية وتكاملها، لذلك أقترح ما يمليه عليّ واجبي وضميري وهو العـمل لتنفيذ قـرار حكـومي، موقّع من رئيس السّلطة التنفيذيّة، بالتعاون، تحديداً، مع وزير الداخلية والبلديات، يقضي بحـلّ كل الأحـزاب والميليشيات والمنظّمات الموجـودة على التراب اللبناني والتابعة لدول خارجيّة والتي تتمسّك بأي عـقيدة دينيّة - إثنيّة وبأي إيديـولوجـيّة حـزبيّة توسّعـية ولا سيّما المذهبيّة التكـفـيـريّة والإلغائيّة منها هي التي تناقض العـقيدة اللبنانيّة الوطنيّة وتعـمل على تذويبها إلى حـد إلغائها، مستقويةً بالدعم المالي والمعـنوي الذي تتلقّاه من هذا النظام السّياسي أو ذاك عـلى حـساب سيادة لبنان ونظامه الديمقراطي الحـر ومصيره ووحـدة وسلامة أراضيه ومصالح شعـبه وجـيشه وكل أجهـزته العـسكريّة، وهذا هو حال - على سبيل المثال لا الحـصر - "حـزب الله" الذي يمارس نشاطه الحـزبيّ والسّياسيّ، منذ تأسيسه العام ١٩٨٢، من دون حـيازته عـلى عـلم وخـبر من وزارة الداخلية والبلديّات في لبنان (التي يجـب أن تلغي القانون العثماني ١٩٠٩ لتأسيس الجـمعـيّات) وهو المستقوي بإيران وبالثورة الإسلاميّة فيها التي صدّرتها إلى لبنان، ويجاهـر بعـقيدة "ولاية الفقيه" الإسلاميّة التي يسعى من خلالها إلى تنفيذ مشروعه التّوسعيّ بحـيث يجعل لبنان ، كما غيره من البلدان التي يخـطّط لبسط سلطته الدينيّة عليها، إحدى الولايات الإسلاميّة الشيعيّة التي يحكمها صاحب الزمان المهدي المنتظر، وهذا ما يستنكره ويرفضه بشكل مطلق السواد الأكبر من الشعـب اللبناني عاشق التنوع والانفتاح والتثاقف، على اختلاف طوائفه ومشاربه، وبما فيه شريحة وازنة من الطائفة الشيعـيـّة الكريمة التي ترفض هي أيضاً هذه العـقـيدة وهذا النهج، رفضها لاستخـدام عـنوان "تحـريـر الـقـدس" كـشمّاعة لاسـتمرار قـيامه بعـمليّات عـسكريّة ضد العـدوّة إسرائيل، يورّط بها لبنان ويُدفعه أبهظ الأثمان، مادياًّ ومعـنويّاً، بحـيث يـؤثـر سلباً عـلى سمعـته واقتصاده ودوره في محـيطه العـربي، ويحـرمه من استثمارات عـربيّة وغـربيّة في مختلف المجالات تقدّر بميليارات الدولارات سنوياً!
لا بد من أن يعـلن كل لبناني شريف جهراً، وعلى رؤوس الأشهاد، ومن منطلق المواطنة الحـقيقية، أن لا شأن للشعب اللبناني بالمقاومة الإسلاميّة، ولا بمشروعه الجهاديّ الذي يعـنيه ويعـني محازبيه ومؤيّديه دون سواهم، ولا مصلحة وطنية للبنان بالحـرب الدينية التي ينخـرط فيها ضد العـدوّة إسرائيل، ذلك لأن دولة لبنان، منذ نشأتها، أي في العام ١٩٢٠، مدنيّة أي غير إثنيّة، لها دستورها وقوانينها ونظامها الديموقراطي الحر! ولم يعـد جائزاً ولا مقبولاً بعـد اليوم بالرّضوخ لفائض القوة الذي يستند إليه "حـزب الله"، ويكابر، وبالتالي يرهـب اللبنانيين بسلاحه الذي صار لـزوم ما لا يلـزم، ولا سيّما بعـد خـسارته الفادحة جـراء العـدوان الإسرائيلي عـلى مناطق انتشاره ونفوذه حـيث استهدف العـدوّ بالصواريخ الفتاكة مبانٍ سكنيّة ومراكـز حـزبيّة وأنفاق ومنشآت ومخازن أسلحـة وذخيـرة غـير شرعـيّة، لطالما ناشـدناه، مع كل الغـيارى على مصالح لبنان من ذوي العـقـول الناضجة، لكي يسارع إلى تسليمها إلى الجـيش اللبناني - ولم يفـعـل - تنفيذاً للقرارين الأمميّين 1701 و 1559، وقد ورّط لبنان بمعـركة عـبثيّة لا شأن له بها، إذ انخـرط في "حـرب إسناد" غـزة، من دون أن يخـدمها، ما أدّى إلى النتيجـة الكارثـيّة التي يفاخـر العـدو بأنها أتت لمصلحـته وقد حقّقها بغـاراته المدمّرة، فيما هـذا الحـزب يجاهـر ويفاخـر بالانتصار، والمنطق يعـلن على الملأ أنها هـزيمة، وأن محـور الممانعة سقط!
أما بالنسبة إلى باقي الأحـزاب التابعة للخارج كـ "حـزب البعـث العـربي الإشتراكي" المرتبط بالنظام السوري السابق والساقط، فهي تنتهي على أرض لبنان مع انتهاء النظام الذي يدعمها ويبرّر وجودها، هذا مع العلم أنه يحـظّـر على هكذا أحـزاب أن تكون موجـودة أصلاً في الدول العـربية الصديقة التي تفرض سلطتها وسيادتها عـلى كامل أراضيها وتتصدّى لها بكل ما أوتيت من قدرات وبقوة قوانينها الصارمة والتي لا ترحـم... حبذا لو تحذو دولتنا حـذوها على هذا المستوى فتضرب بيد من فـولاذ كلّ من تسوّله نفسه لكي يفتح عـلى حـسابه!
ولتنفيذ هذا القرار- الحلم، لا بدّ من الإيعاز إلى النّواب في مجـلسنا التشريعي، لكي يبادروا إلى صياغة وإقرار قانون يتم التصويت عليه، في جلسة تشريعـيّة، يقضي بمنع أي جـمعـيّة سياسيّة أو حـزبيّة من ممارسة أي نشاط سياسي وحـزبي، واستطراداً، عسكري، على الأرض اللبنانيّة، وبالتالي، من فتح أي حساب مصرفي في أي مصرف في لبنان، وتبوء أي منصب دستوري في الدولة اللبنانية في حال تبيّن وثبت للجـنة القضائيّة الإستقصائيّة المولجة بالتحـرّي عـنها أنها تدين بالولاء والانتماء إلى أي دولة أو نظام أو منّظمة خارجـيّة وتتلقّى منها الدّعـم الماليّ والمعـنويّ، على حساب المصالح اللبنانية العليا، ليصير هذا القانون التاريخي، المصيري والجـريء الذي يوقّعه رجال ونساء دولة، نافذاً قابلاً للتطبيق فـور نشره في الجـريدة الرسميّة.
ولفرض سيادة الدولة على كامل أراضيها، لا بدّ من ضبط الحـدود والمعابر بين لبنان وسوريا، فلا تظلّ سائبة، مشرّعة للتسلّل ولتهريب السلاح والذخائروالمخـدرات والأموال والمحـروقات وغـيرها من السّـلع، وذلك بنشر نقاط تفتيش عـسكريّة متطوّرة ومجهّزة بأحدث الوسائل والتقنيّات التكنولوجـيّة، على امتدادها، مؤلّفة من رجال قوى الأمن الداخلي والأمن العام والجـمارك، وتجهيزها بأبراج مراقبة، متّصلة عـبـر الأقمار الصناعـيّة بوزارة الداخـليّة والبلديات من خلال غـرفة تحـكّم خاصّة مشتركة بين الأجهزة الأمنيّة كافة التي تتعاون وتنسّق في ما بينها، منعاً للتهريب والتسلّل بكلّ أشكالهما ووسائلهما (غير المشروعة طبعاً) ولأي أعمال عـسكرية وإرهابيّة تهدّد الأمن القومي.. لتنتفي الشكوى يومياً من هذه المخالفات بل الإعـتداءات المتكرّرة.
وبما أن لبنان يتخـبّط في أزمة إقتصاديّة خانقة، ويرزح تحـت عبء الدين العام بفعـل العجـز الكبير في خـزينة الدولة الذي تسبّب ويتسبّب به سوء الإدارة بل الفساد المتفشي في جسم الدولة، منذ عـقود من الزمن، ولا حسيب ولا رقيب، ولا سيما على المستوى القضائي، فلا بد من إعادة الثقة بالدولة اللبنانية من خلال انتخاب رئيس جمهورية نظيف الكف، موثوق، يؤمن بمبدأ تداول السلطة على عكس كل من يتعـمّدون العـرقلة لمصالح شخـصيّة، ويفعّـل، بأدائه، آليّة ممارسة الحـياة الديموقراطية ويعـزّز مفاهيمها ومعاييرها التنافسية فيكون القدوة لكلّ من يتبوأ منصباً دستورياً وإدارياً وأمنياً ولكلّ من يعاونه في إدارة شؤون البلاد، كلٌّ من موقعه، وهذا ما يعـيد الثقة بلبنان الدولة والمؤسّسات، ولا سيّما بالسّلطة القضائيّة، وبالقطاع المصرفي بعـد إصلاحهما، ما من شأنه أن يستقطب رؤوس الأموال الأجنبيّة وخـصوصاً العـربية منها، هي التي تساهم في تنشيط الحـركة الإقتصاديّة التي يتم تعـزيزها، في مراحل لاحـقة، بفعـل استثمار الثروة النفطيّة والغازيّة والمائيّة وترشيد الطاقة ولا سيّما الكهربائيّة منها، بأحـدث الوسائل التكنولوجـيّة المعـتمـدة في دول العالم الأول والاستفادة القصوى من تجـاربها الناجحة، وتخصيص صندوق سيادي للإيرادات الماليّة الناتجة عن استخـراج النفط والغاز من آبارها بـراً وبحـراً، واستثمارها في مشاريع نهضويّة وإنمائيّة وإنتاجيّة ولا سيّما في المجالات الزراعيّة والصناعـيّة والإسكانيّة والصحـيّة والتربويّة والرياضية والبيئيّة والسياحيّة وفي الطاقة البديلة.. أسوة بدول العالم الأول.
نحلم ونحلم ونحلم بتحصين وطننا ضد كل ما يؤذيه ويؤلمه، وهو الذي وصفه البابا يوحنا بولس الثاني القديس بكلامه النبويّ الرائع أنه أكثر من وطن إنه رسالة! نحلم بجـعـله عـصيّاً عـلى كل أعـدائه المنظورين وغير المنظورين، فنسيّجه بمحبتنا له وبإنجازاتنا ومآثرنا، وأيدينا مشبوكة بأيدي أبطال جـيشنا، لنضيف معاً المدماك فوق المدماك في صرح الحـضارة اللبنانيّة، ونكون حقاً على مستوى المسؤولية، لتصير أغـنية الراحـل الخالد وديع الصافي "سيّجنا لبنان، عـلّينا سياجه"، وصيّة أب لأبنائه، ننفّذها نحـن أبناء هذا الوطن الجـميل، الذي نضيف إلى جـماله جـمالات من أرواحـنا وأدمغتنا ومن صنيع أيدينا الخلّاقة المتصلة بيد الله الذي نتّكل عـليه ليعـضدنا في مشروع تحـويل لبنان، مجـدّداً، إلى منارة في هذا الشرق، وهو له العـزّة والمجـد، الأمين الذي يحـقـق وعـوده، فنضرع إليه أن يُلهِم نوّاب الأمّة اللّبنانيّة لكي يُحـسنـوا اخـتيار رئيس جـمهوريّة ينتخـبونه بالأكثرية، في أقرب وقت، التزاماً بالدستور، ليمثلهم خـير ثمثيل ويليق بلبنان وشعـبه ومجـده وجـمهوريّته وأرزه!
نهاية، أتأمّل في ما قاله النبي أشعـيا في أحـد أسفار كتاب العهد القديم: "أليس عـمّا قليل يتحـوّل لبنان جـنّة والجـنّة تحـسب غاباً؟" وأنتقل إلى كتاب العهد الجـديد حـيث يقول ربّنا وإلهنا يسوع المسيح: "من أراد أن يكون فيكم عـظيماً فليكـن لكم خـادماً".. على أمل أن ننجـح في نقل لبنان من عهده القديم إلى عهده الجـديد!