إنّ صحّة الرسالة لاهوتيًّا، والمظاهر الماورائيّة المرافقة لها مثل رشح الزّيت، لا تُثبت أنّ مصدر الرسالة سماويّ.
فقد يكون مصدرها الشخص نفسه، أو العقل الباطن وتخيّلات وهلوسات ناجمة عن اضطراب نفسيّ، أو عن روح غريب.
فليس كلّ ظاهرة غيبيّة هي من الله.
وأوّل ما يجب أن يحصل هو إخضاع الظاهرة لتمييز الكنيسة.
وأوّل ردّة فعل للمؤمنين يجب أن تكون عدم التّصديق وانتظار حكم الكنيسة.
فإن سارع المؤمنون إلى تصديق هذه الظواهر، ولم تكن من الله، فسوف يصابون بخيبةٍ كبيرة.
والخطر أيضًا أن يجمع الشخص المؤمنين حوله ويصير هو المركز بدل المسيح، وينشأ تكتّل من المؤمنين إلى جانب الرعيّة، مع احتمال حصول انحراف لاهوتيّ وأخلاقيّ واستغلال للمؤمنين معنويًا وماديًا وأحيانًا جنسيًّا.
واحمال انشقاق هذا التكتّل في حال حاولت الكنيسة تصحيح مساره.
وإذا كان الروح الشرّير هو مصدر الرسائل، فهو سوف يدعمها بظواهر خارقة مثل رشح الزيت ورشق البخور.
ويسارع إلى تصديق هذه الظواهر ضعاف الإيمان والأكثر بعدًا عن الكنيسة، من الذين يلتمسون الماديًّات والمحسوسات، التي تُبعِدهم عن الروحانيّة الحقيقيّة.
والشيطان يستعمل هذه الرسائل وما يرافقها من ظواهر غريبة لإبعاد النّاس عن الكنيسة والقدّاس، واستبدالها بالصلاة عند الشخص المنخطف الذي يعطي رسائل.
والغاية الأبعد للشرّير هي إحداثُ الأذيّة جسديًا ونفسيًا وروحيًّا، وقد يكون الأذى فادحًا.
وهذا هو السبب الأوّل والجوهريّ والأساسيّ لعدم تصديق ظواهر كهذه قبل أن تعلن الكنيسة صحّتها، وعدم التردّد إلى مكان حصول الظاهرة، وخصوصًا عدم التبرّك من الشخص بأيّ طريقة كانت، وعدم أخذ أي بركة مهما كان شكلها، أو أكل أو شرب أيّ شيء من مكان حصول الظاهرة أو من الشخص نفسه.
ويقول القدّيس يوحنّا الصليب إنّه يجب الرفض الفوريّ والكليّ لأيّ رسالة أو ظاهرة محسوسة مهما كانت، وحتى من دون تمييزها.
وفي حياة الرهبان شرقًا وغربًا، كان الرهب عندما يتلقّى رسالة ما يُخضِعُها لمرشده الروحي، الذي قد يأمره بكتمانها وعدم إعلانها.
وكان القدّيسون يحتفظون بخبراتهم الروحيّة لأنفسهم ولا يعلنونها لكي لا يصابوا بالكبرياء.
ولم يكونوا يدعون الناس للاستماع إلى ما يتلقّونه من رسائل ويشاهدوا ما يحصل معهم من ظواهر.
وإنّ مجيء كاهن إلى المكان لا يعطي الشخص مصداقيّةً ولا يعني اعتراف الكنيسة بالظاهرة.
فهو قد أتى للاطلاع على ما يجري لأجل تمييز الظاهرة.
وإن كان هناك تمثال أو صورة ترشح زيتًا فيجب نقلها فورًا إلى الكنيسة كي لا يتحوّل المكان (أو البيت) إلى مزار، بينما هناك احتمال أن لا تكون الظاهرة من الله.
وقد حصلت في تاريخ الكنيسة عثرات واضطرابات وانشقاقات، كان وراءها أشخاص ادّعوا النّبوءة وتلقّي إيحاءات، واختبروا ظواهر ماورائيّة مزعومة لم تكن من الله.
ومثال ذلك الراهبة هنديّة عجيمي (١٧٢٠- ١٧٩٨) التي خدعت الكنيسة لأكثر من نصف قرن ونالت الأوسمة وأسست الأديار وألفت الكتب اللاهوتيّة والصوفيّة وعملت العجائب والشفاءات، وأعلن أمر باباويّ أنها مشعوذة وسحب أوسمتها وأمر بحلّ الرهبنة التي أسستها.
واعترفت في نهاية حياتها أنّ كلّ ما اختبرته كان من الشيطان.