هكذا يزعم أتباع تيّار "العصر الجديد" ويوصوننا أن نبتعد عن هؤلاء.
لكن ليس هُناك "طاقة" بالمعنى المقصود هنا. وبحسب هذه البدعة، الطاقة هي الكون. ويستمدّ الإنسان "طاقةً" باستدعاء "الأرواح المرشدة" (الشياطين)، ومن خلال ممارسات إيزوتيريّة مثل اليوغا والتّنويم الذّاتيّ والسفَر خارج الجسد والعلاج بالطّاقة الكونيّة.
فهذه بزعمهم تُحرر الانسان من الطاقة السلبيّة وتُعزّز فيه الطاقة الإيجابيّة.
والخدعة هي أنّ الله لم يُعطِ البشر أن يحملوا أو أن ينقُلوا أيّ نوع من "الطّاقة"، سواء أكانوا أغنياء أم فقراء أم شبّانًا أم عجَزة أم مرضى ومتألمين ومَهما كانت حالُهم.
ومن يُصدّق هذا القول ستكون أوّل ردّة فِعل له عندما يرى فقيرًا أو متألمًا أو مريضًا هي الابتعاد الفوريّ خوفًا من أذيّة "الطاقة السلبيّة" التي فيه.
وإذا خالجت الشخص مشاعر سلبيّة من دون سبب واضح تجاه شخصٍ ما، أو بسبب مظهره، عندها سوف يعتقد أنّ الآخر يحمل طاقةً سلبيّة.
فهذا القول هو دعوةٌ إلى الحذّر والابتعاد عن المتألّم والمريض والجريح والعجوز والفقير وإهمالهم وربّما كرههم وأذيّتُهم لا شعوريًّا بتصرّفات غير لائقة لا مبرر حقيقيّ لها، بينما هؤلاء هم أضعف النّاس وبحاجة ماسة إلى العطف والعناية والرحمَة أكثر من سواهم.
والربّ يسوع وضع نفسه في مكان هؤلاء: "كُلّما فعلتم خيرًا مع أحد إخوتي هؤلاء الصغار فلي فعلتُموه".
فالعكس هو المطلوب، أي أن نعتني بدرجةٍ أكبر بمن هم في حاجةٍ وضيق، فنعمل ذلك للربّ.لكن، ما هي براهين وجود طاقة سلببيّة في شخصٍ ما؟ ومَن هم الذين يحملون طاقةً سلبيّة وكيف يمكن معرفة وجودها فيهم؟ وما هي نتائج تأثير "التقاط" الطاقة السلبيّة المزعومة، وكيف تنتقل؟ وهل هي مُعدية؟ وهل نفترض أنّ كلّ مريض أو متألم أو فقير أو جريح أو مُتضايق أو يمرّ في أزمة أو يُعاني نفسيًّا أو جسديًّا يحمل طاقةً سلبيّة، هي غير موجودة أصلًا؟ وإن كنتَ تَحذَر الطاقة السلبيّة عند الآخرين، فهل ترضى أن يتجنَّبك الآخرون عندما تمرض أو تقع في ضائقة؟ فهذه المقولة سوف ترتدّ عليك؟ وكثيرون من جرّاء هذه المقولة يقعون في وساوس ومخاوف قد يكون للشرّير دورٌ في التسبّب بها.
إنّ نظريّة الطاقة تدعو إلى تدعو إلى ننبذ غير السعداء ومعاشرة الأصحّاء والسعداء والجذّابين الأقوياء والأغنياء والذين يتمتّعون بالجمال ويُعطونك الفرح والارتياح.
لكنّ هذا المقياس خادع، فقد يكون هؤلاء أشرارًا وخبثاء ومنافقين واستغلاليّين وغدّارين وربما مُجرمين ويُبادرونك بالإساءة، بينما قد يُبادرك المتألم والفقير والمريض والعجوز بالمحبّة.
فهل صحيح أنَّ الأقوياء والأثرياء والجذّابين والفَرِحين يعطونك طاقةً إيجابيّة، والفقراء والمتألمين يعطونك طاقةً سلبيّة؟وهذا الزعم يقتل مشاعر الرحمة والشقفة وتحلّ محلّها مشاعر البرود والحذَر والرّفض والنّفور من دون مُبرِّر حقيقيّ، وتهدم علاقات المودّة بين النّاس، حتى أقرب النّاس إلى الشخص، وتُحِلّ محلّها الجفاء ويَصير القلب قاسيًا ولا مُباليًا.
فالربّ أوصانا بالعناية بالمريض والجائع والمتألّم لكن هذه المقولة تُناقض وتلغي وصيّة المحبّة، فلا يبقى هناك مَن يخدُم العجَزة والمتألمين ولأشخاص المصابين بإعاقة.
لذلك فمقولة "إبتعد عن التُّعساء لأنهم يعطونك طاقة سلبيّة" لا تليق بالمؤمن وتُناقِض هويّته كمسيحيّ، القائمة على المحبّة والتّضحية وعمَل الخير والرحمة تجاه المتألمين والمرضى والمنازعين.
وكيف نَبتعد ونحذَر مَن هم صورة الله، خصوصًا مَن هم مُعمّدون بميرون يسوع المسيح وقد اغتذوا بجسده ودمه، حتى لو كانوا فقراء ومرضى ومتألّمين؟ وكيف يُعطي هؤلاء "طاقةً سلبيّة" لا وُجود لها، بينما قد يكونون قدّيسين؟أما نحن فلا قوّةَ عندَنا إلّا قوّة الله الكليّ القُدرة، وجبروت ابنه يسوع المسيح ربّنا، وسُلطان روحه القدّوس.
والكتاب المقدّس وتعليم الكنيسة، وأيًا من معلّمي الكنيسة القدّيسين، لم يتكلّم على وجود "طاقة" كونيّة أو إيجابيّة أو سلبيّة مهما كانت.
فهذا الزَّعم هو خِداعٌ للناس ليبتعدوا عن الله وينضمّوا إلى تيّار "العصر الجديد"، الذي يوهمهم أنّهم بانتمائهم إليه يتحرّرون من الطاقة السلبيّة المزعومة وينالون الصحّة والرفاهيّة والجاذبيّة والنَّجاح والشهرة والغِنى.
/الأب أنطوان يوحنّا لطّوف/