يسوع الذي أعلن ذات يوم عن نفسه أنّه “نور العالم، آمن به طيما أعمى أريحا، أنّه يستطيع أن يُعطي النور لعينيه المنطفئتين منذ الولادة.
ما يعني أنّ يسوع قد أنار بصيرة قلبه، فآمن.
وفي الواقع لمّا سمع الأعمى أنّ “يسوع الناصريّ” يمرّ، ناداه باسمه الإيمانيّ “إبن داود حامل الرحمة، ارحمني”.
ولـمّا سأله يسوع: “ماذا تريد أن أصنع لك؟ أجاب من دون تردّد :“رابوني أن أبصر”.
نصلّي لكي يمنحنا المسيح-النور ويمنح كلّ إنسان، ولا سيما الغرقى في عمى القلب والضمير، ويهيمون في ظلمات مصالحهم وشرورهم، نعمة الشفاء من عمى البصيرة، الذي هو العمى الحقيقيّ والأدهى والأخطر من عمى العينين.
فيما كان أناس ينتهرونه ليسكت، أمّا يسوع فأمرهم بأن يدعوه اليه.
ولمـّا جاء لم يطلب صدقة كان يستعطيها من الناس، بل طلب منه ما عنده دون سواه:”أن يبصر”.
طلب النور لعينيه المنطفئتين.
فقال له يسوع :“أبصر، إيمانك خلّصك”.
ذاك الأعمى كان المبصر الحقيقيّ بين الجمع كلّه.
هذا ما أراد يسوع إظهاره للملأ.
وهكذا، اكتمل الأعمى في إنسانيّته: بعينين خارجيّتين تنظران جمال خلق الله، وببصيرة القلب المستنير بالإيمان التي ترى ما وراء المحسوس والمنظور في عالمنا وفي حياتنا اليوميّة وأحداثها، وكلنا بحاجة لنور البصيرة الداخلية لنعرف كيف نقرأ علامات زمننا المتلاحقة والمتجدّدة.
أعطى يسوع ما عنده للأعمى.
لا أحد يعطي ما ليس عنده.
أعطاه النور أوّلًا لبصيرة قلبه، ثمّ لعينيه.
بفضل شفاء الأعمى انكشفت هويّة يسوع ورسالته.
هويّته أنّه النور، ورسالته أنّه ينير كلّ إنسان يأتي إلى العالم.
إنّه نورنا بشخصه وكلامه وأفعاله وآياته.
وهو بروحه القدّوس ومواهبه السبع ينير العقل والارادة والقلب.
وقد “أرسله الآب نورًا يتجلّى للأمم”.
نصلّي بإيمان أعمى أريحا، ملتمسين النور الهادي إلى كلّ ما هو حقّ وعدل واستقرار وسلام.
هذا ما نلتمسه في هذا الصوم المقدّس . آمــــــــــــين.