عيد الشّعانين هو خاتمة أسابيع الصّوم الكبير السّتة، التي هيّأتنا، بالأصوام والإماتات والصّلوات والتّوبة وأعمال المحبّة والرحمة، لملاقاة الربّ يسوع واستقباله كملك على نفوسنا والقلوب، وللإنتماء الملتزم إلى مملكته المتمثّلة في الكنيسة.
وهي "أورشليم الجديدة".
وإليه نهتف، بكبارنا وصغارنا: "هوشعنا! مباركٌ الآتي باسم الرّبّ".
حدّد الربّ يسوع طبيعة ملوكيّته بطريقة دخوله إلى أورشليم: إنّه ملك التواضع الدّاخل على جحش لا على حصان، مثلما يدخل العظماء والمتسلّطون الذين يتآكلهم الغرور والروح الدنيويّة.
تواضعُ يسوع ظاهرٌ في إخلاء ذاته، وصيرورته إنسانًا، وهو الله، ليكون بالقرب من كلّ واحد وواحدة منا، ليسير معنا في طرقات الحياة، ويُنير دربنا في العالم، ويفتدينا من خطايانا بموته، ويقيمنا بقيامته إلى حياة جديدة.
وتواضعه ظاهر في صورة الخادم التي اتّخذها.
والمسيح هو ملك السّلام الذي ينتزع كلّ خوف وقلق من قلب الإنسان: "لا تخافي يا ابنة صهيون".
لا تخفْ يا شعبي! هذا النداء المطمئن إنّما يأتينا من المسيح المنتصر على الشرّ والشّرير، وعلى الخطيئة والموت، بموته وقيامته.
سلام المسيح هو سلام القلب والضمير، سلام الحقيقة والعدالة، سلام الحريّة والمحبّة.
نحن مدعوّون في هذا العيد إلى الإلتزام في السَّير على طريق المسيح وهو طريق التّواضع الذي ينفي الكبرياء المعروفة بأمّ الرّذائل؛ وطريق الخدمة التي تعني سخاء القلب واليد، وتنفي الإنغلاق على الذات، والسّعي إلى المصالح الخاصّة على حساب الصالح العام، كما تنفي الأنانيّة وعدم الإكتراث بحاجة الغير؛ وطريق السّلام الذي يرفض النزاع والخلاف، ويعمل من أجل العدالة والتفاهم والمصالحة.
نحتفل هذا المساء، في جميع الكنائس، "برتبة الوصول إلى المينا في مساء هذا اليوم المُبارك ". هو ميناء المسيح، ميناء المصالحة والسلام، بعد رحلة أسابيع الصوم الستّة التي يسمّيها بولس الرسول "الزمن المقبول"، وتسمّيها الليتورجيا "السماء المفتوحة بنعمها".
فلندخل أرض الأسبوع المقدّس، ممجّدين الثالوث القدّوس: الآب الذي صالح العالم بموت ابنه الوحيد، وأفاض روحه المحيي لحياة كلّ ذي بشر، الآن وإلى الأبد، آمــــــــــــين.