أنا أمة الربّ فليكن لي بحسب قولك" ( لو ١ / ٣٨ ) قال فيها :
"أمام الدعوة الإلهيّة التي حملها الملاك جبرائيل إلى مريم، لتكون أمّ العليّ القدّوس وهي عذراء، جعلت من نفسها خادمة لمن سيولد منها ولتصميم الله الخلاصيّ، فأجابت: "ها أنا أمة الربّ، فليكن بحسب قولك".
هذه الكلمة "نعم".
ليس صدفة أن اختار المسلمون والمسيحيّيون عيد بشارة السيّدة العذراء بمرسوم رسميّ بتاريخ ٢٧ تشرين الأوّل ٢٠١٠ عيدًا وطنيًّا مشتركًا.
فهي عندهم جميعًا "أمّ" بل هي أكرم وأقدس الأمّهات التي تجمع أبناءها وبناتها وتوحّدهم.
كتب بالأمس أحد المفكّرين المسلمين اللبنانيّين: "إنّها لنا مسيحيّين ومسلمين رمز اندماجنا معًا وعيشنا الواحد معًا ومصيرنا معًا.
ولذا، "نحن مريميّون".
أن نكون مريميّين يعني أن نكون إخوة معًا حقيقيّين في الوطن، وأن نكون أحرارًا غير مستلحقين لأحد من أصنام رجال المذهبيّة والحزبيّة والفئويّة.
أن نكون مريميّين يعني أن لا نخاف من أحد وأن لا نخيف أحدًا.
ويعني أن نكون مسلمين حقًّا ومسيحيّين حقًّا، وبالتالي أن نصبر على بعضنا البعض، وأن نثق ببعضنا البعض، وأن نستكين إلى وطننا لبنان" (الوزير السابق إبراهيم شمس الدين، في النهار ٢٤ آذار ٢٠٢٣ : "مريم السيّدة، مريم الحرّة، مريم الأمّ)".
من نعم الله علينا وعلى كنيستنا وسائر الكنائس، أنّه يخاطبنا ليس فقط بابنه يسوع، وبكلام الحياة وبشتّى الطرق، ولكن أيضًا بواسطة القدّيسين: مار شربل ومار نعمةالله والقديسة رفقا والطوباويين الأخ إسطفان وأبونا يعقوب حدّاد الكبّوشي، وليونار ملكي، وتوما صالح الكبوشيّين، وفي السنة الماضية ، موافقة قداسة البابا فرنسيس على إعلان الطوباويّين الإخوة المسابكيّين الثلاثة فرنسيس وعبد المعطي وروفائيل الدمشقيّين قدّيسين في الكنيسة الجامعة.
عيد البشارة هو عيد لقاء الله مع الإنسان. هو عيد التجسد.
هو عيد مريم أم الكلمة المتجسد.
إنّه عيد الحقيقة التي هي في قلب بشارة السيّد المسيح المتجسد في إنجيله: عيد التألّه وهذا ما نقرأه مرارًا وتكرارًا في خدمة عيد البشارة وعيد الميلاد، لا بل في كل صلاة من صلواتنا بدون استثناء: “لقد أصبح الله إنسانًا لكي تصبح أنت الإنسان إلهًا” يمكنُنا أن نقولَ إنّ المعنى النهائيَّ للبشارة هو العنصرة: مريمُ الممتلِئَةُ بالروحِ وَلَدَت المسيحَ، حتى يُولَدَ هو، من خلال الفصح، وهبةِ الروحِ القدس، في جميع المؤمنين.
الروحُ يُعطينا نظرةً جديدة، وقُدرةً على رؤيةِ عملِ الله في أحداثِ التاريخِ المختلِفة.
يجعلنا الروحُ قادرِين على التعرُّفِ على المسيحِ أيضًا في حياةِ الآخَرين.
ونحن دائمًا في حاجةٍ ماسَّةٍ إلى هذا، لأنه صحيحٌ أنّ كلّ شخصٍ يجبُ أن يجدُ في نفسِه الأمانَ بناءً على علاقتِه الخاصَّةِ مع الله، لكنّه صحيحٌ أيضًا أن هناك تثبيتًا لأمانِنا لا يمكنُ أن يأتيَ إلّا من الخارج، من العلاقة مع الآخر. نحتاجُ اليومَ أكثرَ من أي وقتٍ مضى إلى شهودٍ يساعدوننا في مواجهةِ واقعِ الحياة بأملٍ وثقة، ويساعدوننا ليكونَ “جوابَنا” الله “نَعَم” واضحًا وواثقًا.
نحن بحاجة إلى الكنيسة، أي المؤمنين المتَّحدين بالتحديد من خلالِ جوابِهِم “نَعَم” لله، وهم لذلك جماعةٌ لها نظرةٌ حُرَّةٌ صافيَةٌ إلى حياةِ العالم، لا تخاف، ويملأُها الشوقُ لبناءِ وتعزيزِ الخيرِ والعدالة. آمــــــــــــين.