الضمير في الكتاب المقدس هو: “مكان لقاء اللـه بالانسان”.
فحركة الضمير وضعها اللـه في الانسان.
بحيث ان قلبه ينبهه الى التوقف عند وقوعه في الخطيئة والتراجع عنها فورا: “فخفق قلب داود من بعد إحصاء الشعب، وقال للربّ: قد خطئتُ خطيئة كبيرة في ما صنعت” ( ٢ صم ٢٤ / ١٠ ).
– والضمير بحسب كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية: “هو صوت اللـه في قلب الانسان” ( فقرة ١٧٧٦ ).
وهناك عدة انواع للضمير في اللاهوت الادبي نذكر منها:
– الضمير وانواعه: هناك المستقيم، والاكيد، والقلق، والشكاك، والواسع، والحائر، والحساس، والمغلوط. والضمير الحي والميت…الخ.
الضمير في مثل الابن الشاطر:
١- الضمير عند الأب: انه يتصرف برحمة ومحبة لا تُحد. صمت طويل على طول القصة…، لا ينطق الا في النهاية عند عودة الابن الاصغر سالما. يترقب عودة إبنه كل يوم ولا يقطع الامل… وما ان يراه من بعيد حتى يذهب بنفسه لاستقباله، بالرغم من كل ما فعله. اذ يسامح، ويغفر، ويَعْبُر، ويعانق، ويبكي، ويفرح، ويحتفل… هو وكل الذين هم معه. نسمي هذا النوع من الضمير بالضمير المستقيم والصالح.
٢- الضمير عند الابن الاصغر: ولد صغير، كثير الكلام منذ بداية القصة الى نهايتها. تضربه اهواء الشباب، فيحب التغيير واكتشاف العالم. يسوع في القصة لا يدينه بسبب فعلته بطلب الميراث من ابيه. كما ان أباه لا يدينه بدوره ايضا ويظهر له المحبة قبل وبعد خطأه ويربحه من جديد… ومع ضميره غير الناضج فانه يبلغ الحضيض (يفقد كل شيء، ويذهب لرعاية الخنازير المحرم اكلها عند اليهود). في نهاية المطاف، وعندما يصل الى قعر البؤس، ان صح التعبير، فيعود الى ضميره، وهو نفس ضمير الاب الصالح والمستقيم، اذ تقول القصة: “فرجع الى نفسه” ( لو ١٥ / ١٧ ). فمن وسط المهانة والعبودية ينتفض ويختار الحرية والعودة الى بيت الاب الطيب.
٣- الضمير عند الابن الاكبر: هو ملتزم بالوصايا والشرائع السماوية (ظاهريا)، يحترم اباه ولا يتجرأ على كسر خاطره بكلمة، لربما بسبب فعلة الابن الاصغر الشنيعة. يبقى الاكبر صامتا في بداية القصة ويبقى يعمل بهدوء عند ابيه، لكنه يكدّس من الهم والغم والضيم والقهر والحسد والحقد والكراهية لاخيه، اذ ينعكس ذلك جليا من معاتبه الوقحة لابيه على باب الدار واتهاماته وافتراءاته ودينونته لاخيه دون دليل! هذا الضمير الوقح السيء، سماه يسوع مرات كثيرة بالانجيل (بالمراءات). اي ان تقول شيء وتعمل عكسه تماما. بالنهاية، ينفجر الابن الاكبر غيضا على الاب، بسبب قبوله للابن الاصغر. وينكر اخوّته له، فيخاطب اباه بجفاء قائلا: “إبنك هذا”، لكن الاب الطيب يخرج ثانية خارج البيت باحثا عن الابن الاكبر ايضا، ويترجى منه الدخول ويخاطبه: “اخوك هذا”! ان موقف الابن الاكبر يذكرنا بموقف قائين من هابيل، عندما لم يتحمل محبة اللـه له قبول تقدمته، فحنق على اخيه وقتله! ( تكوين ٤ / ٥ ).
٤ - ضمير الكنيسة: الكنيسة ام ومعلمة. وضمير الكنيسة هو ان تتحلى بالحكمة والصبر والمحبة تجاه اولادها رغم كل الظروف. كما تفعل الدجاجة مع فراخها ( لوقا ١٣ / ٣٤ ). فرسالة الكنيسة هي تعليم ابنائها محبة اللـه وخدمته بتواضع وبساطة، بايمان عميق ورجاء وطيد. وتجعلها محسوسة بين ابنائها من خلال الشهادة الحية التي تعطيها في المجتمع. عاملة بوصية يسوع “كونوا كاملين كما ان اباكم السماوي كامل” (متى ٥ / ٤٨ ). لكن الكنيسة بالاظافة لكونها ام فهي معلمة ومربية ايضا. وهذا يقتضي الحزم احيانا لاجل فرض سلطة كلمة اللـه على من قد يستغل او يتمادى بالعيش على عكس تعاليم يسوع وتعليم الكنيسة او من لا يحترم القدسيات…الخ. فهنا تقول الام كلمتها وتؤدب بنيها، وتجري اللازم بضمير مستقيم وصالح من اجل فائدة المؤمن والجماعة ككل على حد سواء.
٥- ضميرنا: اذ نقف امام معترك الحياة، مع تعدد واختلاف المواقف والناس والظروف والاماكن والثقافات والعقليات وتفاوت درجة المحبة وتقبل الاخر… يبقى الشيء المهم الذي نتعلمه من قصة الاب الرحوم، هو ان نتشبه به، بان يكون ضميرنا صالحا مستقيما، وان نصونه باستمرار، من خلال التوبة، كما فعل الابن الاصغر، بعودته الى نفسه (ضميره) اولا، ثم بتصحيح خطأه وعودته الى بيت الاب ثانيا. فلا ندع هموم الحياة وشكلياتها تثقل كاهلنا وتصرفاتنا، وتغضبنا وتبعدنا عن بيت الاب وعن اخوتنا، كما حدث مع الابن الاكبر. وهذا ما دعى يسوع ان يبقي نهاية القصة مفتوحة على دعوة الاب لابنه الاكبر بالدخول هو ايضا للاحتفال مع اخيه الذي “كان ميتا فعاش وان ضالا فوجد”. لنجدد اذن انفسنا وذواتنا من خلال عيش المحبة مع اللـه والقريب، بضمير صالح وايمان حق. آمــــــــــــين.