نحن في منتصف زمن الصوم، بل في قمته وهي المصالحة وترمم العلاقة مع الله والذات والأخوة.
كانت الأسابيع السابقة تحضيراً لهذا التغيير العميق في القلوب، من خلال آيات ثلاث تأملنا فيها : تحويل الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل، تطهير الأبرص، وشفاء المرأة النازفة.
واليوم، ننبسط مع الآحاد الثلاثة المقبلة نحو مستقبل تحرّر في كل من المسلك بعودة المشي إلى المخلع، والرؤية بانفتاح عيني الأعمى، والموقف باستقبال السيد المسيح ملكاً جديداً وابدياًً يوم الشعانين في مدينة أورشليم، رمز كل مدينة وبلد.
إنجيل الابن الضال يتناول رحمة الله، وخطيئة الإنسان، والتوبة والمصالحة، وثمار غفران الله.خطيئة الانسان وغفران الله.
إنجيل الابن الضال يتناول رحمة الله، وخطيئة الإنسان، والتوبة والمصالحة، وثمار غفران الله.
تتجلى رحمة الله هذه في موقفه تجاه الابن الاصغر: الآلم لغيابه وضياعه ، ترقب عودته، الإسراع الى مسامحته، والوليمة على شرفه، لأنه “كان ميتاً فعاش وضالاً فوجد”.
الله أمين لأبوته، أمين لمحبته الدائمة.
الابن الأصغر هو إنسان كل زمان، رجلاً كان أو امرأة، تعلّق قلبه بعطايا الله ونسيه، ابتعد عنه وتعبّد لعطاياه، فأضاع ميراث النعمة والبرارة الأصلية.
لقد تسلّم من أبيه خيوراً مادية، لكنه بتصرفه خسر كرامته كأبن.
هذا هو جوهر خطيئة الإنسان.
الخطيئة هي انحراف في الحرّية ، وفي سوء فهمها واستعمالها.
الحرية هبة من الله تزين الإنسان في عقله وإرادته، فيتخذ خيارات ومواقف في خدمة الحقيقة التي يدركها بعقله السليم والمستنير، وفي محبة الخير الذي يحققه ويسعى في أثره بإرادته الواعية.
ففي عمق أعماق الإنسان ، تنفتح الحرية على الحقيقة والحب أو تنغلق.
الخطيئة انغلاق عن الحقيقة والخير والحب النقي، وخروج عن إطار الحرية التي تحرر، وعيش في الاستعباد لنزوات دنيئة ومصالح رخيصة وعادات قبيحة، تصبح أصناماً تسيطر عليه وتذل إنسانيته: “من يعمل الخطيئة هو عبد للخطيئة ”.
هذه حال الابن الشاطر والكثيرين من الناس، وبخاصة بعض الشبان والشابات، مبتعدين عن الله والكنيسة.
فلا ممارسة دينية عندهم ولا ثقافة مسيحية، بل إسقاط الدين والأخلاق من حياتهم، معتقدين أن ذلك حداثة وحضارة.
وكأن الله غريب عن هذا العالم، فلا أنزل شرائع ولا وضع وصايا ولا حقق خلاصاً.
بعضهم ينصب العداء للكنيسة ورعاتها، ويتنكر للإنجيل وتعليمه.
إن الكنيسة تعاني الاضطهاد اليوم من ابنائها وبناتها.
هذه الحالة تحتاج إلى توبة شاملة وصادقة.
الخطيئة هي في الأساس عمل ضد الله: ” لك وحدك خطئت والشر قدامك صنعت” ( مزمور ٦ / ٥٠ )، وبالتالي ضد الأخوة وضد الذات.
وتصبح مخالفة لشريعة إلهية أو لقاعدة خلقية.
إنها تنبع من إرادة الإنسان الحرة: ” أعطني نصيبي فجمع ماله، وسافر بعيداً، وبدّد ماله بالبذخ “. كلها أفعال لإرادة حرة، لكنها أدّت إلى شر الابن، وقد وعاه ساعة عاد الى نفسه وقال: ” كم أجير في بيت أبي يفضل الخبز عنهم وأنا أموت جوعاً.
لقد رجع إلى نقطة الانطلاق: ” من الباطن، من قلوب الناس تصدر أفكار الشر: الفجور، الزنى، السرقة، القتل ، الطمع، الخبث ، الغش ، الفسق ، الحسد، التجديف، الكبرياء، ألسّفه. كل هذه الشرور تصدر من الباطن وتجعل الإنسان نجساً” (مرقس7/٧ / ٢٠ - ٢٣ ).
الذين يعيشون مستعبدين لهذه الشرور، إنما ينتهكون الحب الحقيقي، ويجرحون كرامة الإنسان جرحاً بليغاً، ويلحقون وصمة كبيرة بالتضامن البشري، ويعكسون بتصرفاتهم وأقوالهم وأعمالهم أنانية استعبادية (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية ١٨٤٩ - ١٨٥٠ ).
الابن الشاطر هو كل إنسان تراوده تجربة الابتعاد عن الله ليعيش على هواه، فيقع في التجربة وينخدع بالأباطيل، ويجد نفسه وحيداً مسلوب الكرامة ومستغّلاً.
تبدأ الخطيئة بمقاطعة الله، فيصبح الخاطىء محوراً لذاته، ينزع إلى إثبات ذاته وإشباع رغبته إلى الحرية المطلقة، عن طريق تداول الأشياء: المال، السلطة، اللذة.
والكل على حساب الآخرين الذين يسلبهم ظلماً، ويتعامل معهم تعامله مع الأشياء والأدوات.
هذا الإنسان بحاجة إلى تحرير من الخطيئة واستعباد الذات لها، آميـــــــن.