إنّ رسالة الروح القدس مرتبطة دائماً ومرتّبة لرسالة الإبن، كما يقول الرب يسوع نفسه: “جميع ما هو للآب هو لي، ولذلك إنّه يأخذ مما لي ويخبركم به” (يوحنا ١٦ / ١٥ ).
وبما أنّ الروح القدس هو الرب معطي الحياة، فقد أرسل ليقدّس حشا العذراء مريم، ويخصبه إلهياً، ويجعلها تحبل بابن الآب الأزلي في بشرية معطاة منها.
وابن الآب هذا هو “المسيح” أي الذي مُسح بالروح القدس، منذ بداية وجوده البشري.
وقد أعلن ذلك تباعاً للرعاة والمجوس ويوحنا المعمدان والتلاميذ، كما نقرأ في الأناجيل (كتاب التعليم المسيحي، ٤٨٥ - ٤٨٦ ).
هكذا ظهر مضمون تحية الملاك “ممتلئة نعمة، الرب معك” وهو أنّ الآب وجد في مريم “مكان سكناه” حيث يسكن ابنه وروحه القدوس بين البشر.
لقد رأى تقليد الكنيسة في سرّ مريم – سكنى الله، تجسيداً لما جاء في الكتب المقدسة عن حكمة الله: “أنا الحكمة أحبّ الذين يحبونني، والمبتكرون إليّ يجدونني، معي الغنى والمجد والبرّ. الحكمة بنت بيتها ونحتت أعمدته السبعة” ( امثال ٨ / ١ ١٧ و ١٨ ) ؛ “ارتفعت كالارز في لبنان، وكالسرو في جبل حرمون، وكغراس الورد في أريحا، وكالزيتون النضير في السهل، وكالدّلب ارتفعت”.
بهذا المعنى، نسمّي مريم في الليتورجيا “كرسي الحكمة” : ففيها تمّم الروح “عظائم الله“: “تعظّم نفسي الرب، لأنّ القدير صنع بيَ العظائم”، كما سيتممها في المسيح وفي الكنيسة، هيّأها لتكون أم القدوس، فعصمها بالقدرة الإلهية من الخطيئة الأصلية؛ بقوة الروح القدس العذراء تحبل وتلد إبن الله؛ وبقوة هذا الروح وبإيمانها أصبحت العذراء أماً وظلت عذراء؛ إبن الله يصبح الآن إبن العذراء، ولذا تسمّى مريم “العليقة المتقدة” التي لا تحترق؛ بقوة الروح القدس الذي ملأها جعلت الكلمة منظوراً في تواضع جسدها، وأظهرته للرعاة الفقراء وللمجوس ممثلي الأمم، ثم لسواهم.
وهكذا بواسطة مريم راح الروح القدس يُدخل البشر في شركة مع المسيح.
هو الروح القدوس جعل مريم “المرأة“، حواء الجديدة، أمّ الحياة؛ وبالتالي أمّ المسيح الكلي، أي الكنيسة بكل مؤمنيها ومؤمناتها، المتمثلين بشخص يوحنا: “يا أمرأة، هذا ابنك! ويا يوحنا هذه أمك”.
وبهذه الصفة، كانت حاضرة مع الإثني عشر في الصلاة عند حلول الروح القدس، يوم العنصرة، وهو يوم ظهور الكنيسة (كتاب التعليم المسيحي، ٧٢١ - ٧٢٦ ). آمــــــــــــين.