HTML مخصص
09 May
09May

”وكانوا يواظبون جَميعاً على الصلاة بقلبٍ واحدٍ ، مع بعضِ النسوة ومريم أُمِّ يسوع ومع إخوتهِ ”

( أعمال الرُسُل ١ / ١٤ )



بعد انتقال السيدة العذراء إلى السماء بدأ الرسل وجماعة المؤمنين بالصلاة إلى مريم.


إذ كان لها بعد صعود السيد المسيح إلى السماء دور حيوي ومحوري في حياة الرسل والمسيحيين الأوائل.



فالصلاة الأولى التي أطلقتها الجماعة المسيحيّة هي صلاة الملاك جبرائيل نفسه للعذراء مريـم :

”السلام عليك أيّتها الممتلئة نعمة الرّب معكِ ” ( لوقا ١ : ٢٨ ) .



وفي القرن الثالث بدأت الجماعة المسيحيّة تستعملها كصلاة يوميّة ، وفي القرن العاشر أدخلت الكنيسة الرومانيّة كلمات اليصابات التي قالتها لمريم عند زيارتها لها : ” مباركة انت بين النساء ومباركة ثمرة بطنك” إلى كلمات الملاك ليجعلوا منها صلاة واحدة وصاروا يستعملونها في صلاة قدّاس الأحد الرّابع من زمن المجيء ( زمن الميلاد ) ، صلاة سوف تتحوّل في القرن الثاني عشر الى صلاة تتلى كل يوم وليس مرّة واحدة في السنة.


وفي الفترة عينها بدأ الرهبان الشرقيّون يتلون ” صلاة تأملية ” أو ” صلاة القلب ” وهي عبارة عن ترداد مستمرّ لإسم يسوع أو لعبارة من الكتاب المقدّس أو لصلاة قصيرة ، وهي صلاة ترداديّة تترافق بالتأمّل الرّوحيّ وتنتهي بدخول الرّاهب المصليّ في حالة الصمت والتأمّل في الحقائق الإلهيّة.



صلاة المسبحة قديماً :

كان المسيحيون في القرون الأولى يَعدّون أعمالهم التقوية ، من صلوات وركعات وإماتات ، فيستعملون لذلك إحدى الطريقتين :


١ – اما أن يضعوا في جيبهم كمية من الحبوب أو الحجارة الصغيرة ، فينقلونها بالتتابع من جيب اليمين إلى الجيب الشمال.


٢ – واما أن يمسكوا حبلاً معقداً بعقد معدودة فينقلون إبهامهم على العقدة تلو الأخرى.

ومن جهة ثانية ، لما تأسست الأديرة والرهبنات ، ابتداءً من القرن الرابع وصاعداً، كان الرهبان يصلّون الفرض مشتركين بعضهم.

وكان هذا الفرض مقصوراً على تلاوة صلاة ” الأبانا والسلام الملائكي ” ، وترتيل المزامير البالغ عددها مائة وخمسين مزموراً.

ويقول التقليد أن الرهبان الأميين المؤتمنين على العمل في الأرض ، كانوا بأغلبهم يجهلون القراءة والكتابة ، فيقومون بتلاوة ١٥٠ مرّة صلاة ” الأبانا ” تعويضاً عن عدم إمكانهم تلاوة ال١٥٠ مزمور باللاتينيّة.

وهنا بدأوا باستعمال العقد على الحبل لعدّ المرْات، وهي عادة قد تكون وصلتهم من الرهبان الشرقييّن السريان أو البيزنطيّين الّذين التقوا بهم في بيزنطية أو في أديار فلسطين أو إنطاكية.

وبعدها بدأ المسيحيّون يصلّون صلاة بشارة الملاك جبرائيل للعذراء مريـم : ” السلام عليكِ يا مريـم ، يا ممتلئة نِعمةً ، الرّبُّ معك ” ( لوقا ١ : ٢٨) ، وصلاة اليصاباتز ” مباركةٌ أنتِ في النِّساء ! ومباركةٌ ثمرةُ بطنكِ ” (لوقا ١ : ٤٢) بدل الأبانا، ويسمّونها ” كتاب مزامير مريم ” وفي القرن الثالث عشر أضافت القدّيسة جرترود اسم يسوع بعد ” مباركة ثمرة بطنك”.

وفي القرن الرابع درجت العادة أن يُتوّجوا ثماثيل العذراء مريم بأكاليل صغيرة من الورود كما كانت الفتيات العذارى تتزّينّ بها في تلك الأيام ، ومن هنا نشأ لقب : “ المسبحة الورديّة ”.

القديس دومنيك والعذراء مريـم :وفي مطلع القرن الثالث عشر، عرفت الكنيسة كاهناً قديساً من إسبانيا، هو “ القديس دومنيك ”، مؤسس الدومنيكان ، والمشهور بعلمه وطلاقة لسانه.

لا بل وبقداسته وخصوصاً بتعبده للعذراء مريم.

وكان في تعبده لها يستعمل الحبل المذكور.

وحدث في تلك الأيام أن جماعة الألبيجيين في جنوب فرنسا، قد انجرفوا في طريق الهرطقة.

وقد عجز المرسلون والوعاظ عن إرجاعهم إلى الدين والإيمان.

فأرسلت الكنيسة أخيراً الأب دومنيك لهدايتهم.

ويُجمِع الرهبان الدومنيكان بأن العذراء مريم ظهرت لمؤسسهم وبيدها أيقونة صغيرة ، وقالت له : “ لن تنجح ببراعة الكلام ، بل بهذه السبحة التي بيدك. فأنا معك ، ومتى هديتهم ، علِّمهم أن يصلوها ” ، وهكذا صار، وكان ذلك سنة ١٢١٣ ميلادية.

وفي سنة ١٢١٦ ، أسس الأب دومنيك رهبنته، وكان الأب “ آلن دي لا روش ” أول من فكَّر في أن صلاة السبحة في طريقتها البدائية ، إنما هي صلاة جافة، وأن هناك مجالاً واسعاً للتأمل في الأسرار العميقة التي تجمع بين حياة العذراء مريم وحياة إبنها يسوع.

وهكذا، في القرن الخامس عشر، تمَّ على يد هذا الراهب تنظيم صلاة السبحة الوردية كما وصلت إلينا. وسمَّاها “ السبحة الوردية ” لأنها أشبه بباقة ورد نقدِّمها للعذراء مريـم.



أما التنسيق فقد جاء كذلك :


١ – بما أن حياة يسوع المسيح وحياة أمه العذراء مريم المشتركة معه في سرّي التجسد والفداء قد مرَّت بثلاث مراحل : الفرح والحزن والمجد، فقد جعلت السبحة ثلاثة أقسام ، وكلّ قسم مكوّن من خمسة أجزاء تُسمى “ أبيات ” أو “ أسرار ” وكل بيت يتألف من عشر حبات .


٢ – القسم الأول يُسمى : ” اسرار الفرح ” وهي : بشارة الملاك للعذراء ، زيارة العذراء لنسيبتها أليصابات ، ميلاد يسوع في بيت لحم ، تقدمة يسوع للهيكل، ثم وجوده في الهيكل .

والقسم الثاني يُسمى : ” أسرار الحزن ” وهي : صلاة يسوع في البستان ، جلده على العمود ، تكليله بإكليل الشوك ، حمله الصليب ، ثم موته على الصليب .والقسم الثالث يُسمى : ” أسرار المجد ” وهي : قيامة يسوع من بين الأموات ، صعوده إلى السماء ، حلول الرُّوح القُدُس على التلاميذ ، إنتقال العذراء مريـم بالنفس والجسد إلى السماء ، ثم تكليل الثالوث الأقدس للعذراء مريـم سُلطانةً على السماء والارض .

وبين كل بيت وآخر، يُضاف حبة كبيرة منفردة ، مخصصة لتلاوة صلاة ” المجد للآب ” و” الصلاة الربية ” التي علّمها يسوع إلى الرُسُل .



٣ – أُضيف إلى المسبحة :

أ – الصليب لأن المسيحي يبدأ كل أعماله وخصوصاً صلاته بإشارة الصليب.

ب – حبة كبيرة منفردة ، مخصصة لتلاوة قانون الإيمان ” نؤمن بإله واحد ” .

ج – ثلاث حبات ” السلام عليكِ يا مريـم ” نتلوها ، متأملين في الصفات الثلاث التي تتمتع بها العذراء مريم دون سواها : ” ابنة الآب ، أم الابن ، وعروسة الروح القدس “.

د – وأخيراً الأيقونة المثلثة الزوايا التي كانت تحملها العذراء مريم في ظهورها للقديس دومنيك .

وبما أنه يتعذَّر على المؤمنين تلاوة السبحة الوردية بكاملها أي خمسة عشر بيتاً كل يوم ، رأت الكنيسة فيما بعد الاكتفاء بتلاوة ثلث هذه الوردية أي خمسة أسرار او أبيات منها.

فخصصت يومي الاثنين والخميس لأسرار الفرح ، والثلاثاء والجمعة لأسرار الحزن ، والأربعاء والسبت لأسرار المجد، مع تخصيص يوم الأحد لأسرار الفرح من بدء زمن المجيء ( الميلاد ) إلى أول الصوم الاربعيني الكبير ، ولأسرار الحزن كل زمن الصوم الاربعيني ، ولأسرار المجد من عيد القيامة ” الفصح ” إلى زمن المجيء.


في شهر تشرين الأول ٢٠٠٢ ، أعلن قداسة البابا القديس يوحنا بولس الثاني ” سنة المسبحة الوردية ” التي بدأت من تشرين الأول ٢٠٠٢ وحتى تشرين الأول ٢٠٠٣.

وقد أضاف قداسته إلى المسبحة أسرار جديدة سمِّها : ” أسرار النور ” التي توجِّه تأملنا إلى بعض أحداث من حياة يسوع العلنية التي تتصف بمعانٍ عميقة ، وهي :المعمودية ، عرس قانا الجليل ، إعلان مجيء ملكوت الله والدعوة إلى التوبة ، التجلي الإلهي والعشاء السري . وتم تخصيص يوم الخميس من الأسبوع للتأمل في : ” أسرار النور ” .

وهكذا ، أصبحت أيام الاسبوع مُقسّمة على أسرار المسبحة الورديّة المقدسة كالتالي :


١ – اسرار الفرح : يومي الإثنين والسبت .

٢ – أسرار الحزن : يومي الثلاثاء والجمعة .

٣ – اسرار المجد : يومي الاربعاء والأحد .

٤ – اسرار النور : يوم الخميس .” أنا سيدة الورديّة … داوموا على صلاة كل يوم … ” ( من أقوال السيدة العذراء مريـم في ١٣ أُكتوبر ١٩١٧ ، في مدينة فاطمة – البرتغال ). آمــــــــــــين.



/الخوري جان بيار الخوري/

Taxi Pro Max ads
تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.