متى جاء إبن الانسان... يجلس على عرشه... حينئذ يقول الملك:
نرى الانتقال في التعبير في "انسان" و"ابن الانسان" الى صفات "الملوكية"، هو المسيح الديان، هو المسيح الاله- الانسان، المسيح الذي تعلّم عنه الكنيسة" اله واحد، اقنوم واحد، ذو طبيعتين كاملتين، واحدة الهية واخرى انسانية، دون انفصام ولا امتزاج".
هي الحالة الانسانية التي ارتقت بالمسيح كلمة الله المتجسد، إلى اسمى المراتب التي دعيت اليها: التأله.
دعوتنا الانسانية هي ان نشترك في الحياة الالهية التي نلناها بالتبني (غلاطيّة ٤ )، وكما ان المسيح الديّان هو ابن الانسان، لأن انسانيته لم تكن قناعاً لبسه المسيح ليحجب ألوهته، بل أخذ جسماً حقيقياً من مريم العذراء، هكذا الجسد لا يعود الى العدم، وانسانيتنا نحن ايضا، من خلال المسيح، لا يمكنها ان تعود الى العدم، بل تَمثُل امام "منبر ابن الانسان" لتأخذ جزاء خيارها واعمالها الحرة، اما الاشتراك بالحياة الالهية، وهي الحياة الأبدية والنعيم الأسمى، وأما الانفصال عن الله، مصدر حياتنا ووجودنا وقمة سعادتنا، وهو الموت الأبدي والعذاب الجهنمي.
هو ليس عملاً انتقامياً من الله، فالله آب، والله محبة، ولا ينتقم اذ لا يدخله الشرّ، عذابنا الابدي هو النتيجة النهائية لخيارنا الحر، اذا اخترنا الانفصال نصل الى الموت.
وتُجمع لديه جميع الأمم: كلمة "أمم" تعني عادة في الكتاب المقدس ليس فقط شعب اسرائيل، او ابناء الكنيسة الشعب، انما تشمل ايضا الذي حكم خارج حدود شعب الله المختار في اسرائيل القديمة، الشعوب الاخرى الوثنية، او الذين هم خارج شعب الله الجديد، اي الكنيسة.
ان الدينونة هي عمل الملك الالهي، ومملكته تشمل كل قبيلة وعرق وشعب وأمة.
دعوة الله ليست حكراً على شعب معين، وحين اختار الله له شعبا في العهد القديم، لم يكن هذا الاختيار تفضيلياً، فاسرائيل ليست افضل من كنعان ولا من آرام، العبرانيين لم يكونوا اسمى من المصريين ولا من الحثيين او من الفينيقيين... لقد دعا الله له شعباً ليعلن اسمه في الشعوب كلها: "لتعترف لك الشعوب يا الله، لتعترف لك الشعوب اجمع" ( مزمور ٦٧ / ٦ )، وفي العهد الجديد دعا المسيح الكنيسة لتعلن انجيل الخلاص الى كل الأمم.
اختيار اسرائيل، كما اختيار التلاميذ، لم يكن تفضيليا، انما اختار الله الأضعف ليخزي الاقوياء ويعلن قوّته وسموّه فوق آلهة الشعوب الاخرى الأكثر قوة عسكريّا، والأكثر تقدّماً وعلماً، واختيار الصيّادين كان ليعلن للعالم كله ان قوة الله هي التي تعمل من خلال ضعفنا البشري.
لذلك فكل الامم تُجمع امام المسيح الديّان، لأن كل الأمم مدعوة الى الخلاص، وكل انسان سوف يُدان على ما فعله وبحسب ما عرف وعلم، الخلاص ليس حكراً على المسيحيين، فالذين عندهم الشريعة ، فبالشريعة يدانون والذين هم بلا شريعة فسوف يدانون بحسب الشريعة المكتوبة في قلوبهم "وهم وإن كانوا بلا شريعة ، فهم شريعة لأنفسهم، وهم يبرهنون ان الشريعة مكتوب في قلوبهم، وضمير يشهد، يوم يدين الله بيسوع المسيح خفايا البشر" ( روم ٢ / ١٤-١٥ ).
الكل بالمسيح يخلص، والكل بالمسيح يدان، فان كان الخلاص اعطي للعالم بواسطة المسيح، فالكل يخلص فقط من خلال المسيح، اذا عمل بحسب الشريعة المكتوبة في قلوبهم. آمــــــــــــين.