زمن الدنح هو زمن إعتلان سرّ يسوع، بلسان يوحنا المعمدان، بأنّه "حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم"، وبأنّه "ابن الله".
ثمّ كان اعتلانه بلسان اندراوس أخي سمعان بأنّه "مشيحا" أي المسيح المنتظر.
وبالمقابل كان اعتلان سمعان بن يونا، بفم المسيح نفسه، إذ بدَّل اسمه إلى "بطرس" أي "الصخرة" التي سيبني عليها كنيسته، كما أعلن له ذلك في قيصرية فيليبّس ( متى ١٦ / ١٨ ).
لمّا رأى يوحنا، ومعه اثنان من تلاميذه، يسوع مارًّا، "حدّق إليه وقال: "ها هو حمل الله" (الآية ٣٦ ).
ثلاثة أفعال، قام بها يوحنا، تشكّل النهج المسيحي في علاقتنا مع المسيح الرّب: رآه، وحدّق إليه، وأعلن.
رؤية العين لا تكفي، بل يجب أن تصبح رؤية القلب.
هذا هو الفرق بين "رآه" و"حدّق إليه".
التحديق هو التأمّل الصامت والطويل في ما نرى ونسمع.
كلام الله في الكتب المقدّسة لا نقرأه كقصة أو نكتفي بسماعه يُتلى علينا.
بل ينبغي أن نتبعه بقراءة تأمّلية معمَّقة، ملتمسين "أن يفتح الروحُ القدس أذهانَنا لنفهم الكتب" (لوقا ٢٤ / ٤٥).
فكلمة الله، كما يقول عنها بلسان أشعيا النّبي، لا ترجع إليه فارغة: "كما ينزل المطر والثلج من السماء، ولا يرجع إلى هناك، دون أن يُروي الأرض، ويجعلها تُنتج وتُنبت، لتأتي الزارع زرعًا والآكل طعامًا.
كذلك تكون كلمتي، التي تخرج من فمي، لا ترجع إليّ فارغة، بل تتمّم ما شئت وتنجح في ما أرسلتُها له" (أشعيا ٥٥ / ١٠ -١١ ).
بنتيجة الرؤية والتحديق التأمّلي نكتشف الحقيقة التي لا نستطيع أن نحتفظ بها لنفسنا، بل نعلنها.
هكذا يوحنا أعلن لتلميذَيه الحقيقة التي بلغ إليها أنّ يسوع هو حمل الله.
إنّها حقيقة خلاصيّة، ينبغي إشراك الغير فيها.
كلّ مسيحي رسول لأنّه مؤتمن على حقيقة المسيح الهادية إلى الخلاص.
رسالة الكرازة والتعليم واجبة على الأساقفة والكهنة بحكم الدرجة المقدَّسة، وعلى الرهبان والراهبات وسائر المكرَّسين بحكم نذورهم الرهبانية.
أدرك بولس الرسول هذه المسؤوليّة بعدما اكتشف سرّ المسيح واختبر فعل نعمته، فقال: "الويلُ لي إنْ لم أبشِّر" ( ١ كور ٩ / ١٦ ).
هذا هو نهج الربّ يسوع معنا: نعرفه فنقصد العيش معه.
نعلن سرّه، فيبدّل هو مجرى حياتنا وهويّتنا الداخلية، ويكشف دورنا، أفرادًا وجماعة، في تصميم الله الخلاصي. آمــــــــــــين.