هذه هي معجزة الإيمان الكبرى: تفتح العينَين، وتبدّل النظرة، وتغيّر الرؤيّة.
كما نَعلَم من لقاءات عديدة مع يسوع في الأناجيل، فإنّ الإيمان يُولَد من نظرة الرّحمة التي ينظر بها الله إلينا، فيبدّل قساوة قلوبنا، ويشفي جراحنا، ويعطينا عيونًا جديدة لنرى أنفسنا والعالم. عيون جديدة لنرى أنفسنا، والآخرين، وجميع المواقف التي نعيشها، حتى أكثرها إيلامًا.
ليست مسألة نظرة عفوية، لا، بل مسألة نظرة حكيمة، النظرة العفوية تهرب من الواقع أو تتظاهر بعدم رؤية المشاكل، بدلًا من ذلك، نظرة عيون تعرف كيف ”ترى الداخل“ و تعرف كيف ”ترى ما هو أبعد“.
عيون لا تقف عند المظاهر، بل تعرف أيضًا كيف تدخل ثغرات الهشاشة والفشل لترى فيها حضور الله.
ونحن؟ كلّ واحد يمكن أن يسأل نفسه: ماذا ترى عيوننا؟ ما هي رؤيتنا للحياة المكرّسة؟ غالبًا ما يراها العالم على أنّها ”إهدار“، أو واقع من الماضي، أو شيء عديم الفائدة، ولكن نحن، الجماعة المسيحيّة، الراهبات والرهبان، ماذا نرى؟ هل ننظر إلى الوراء، ونحِنّ إلى ما لم يعد موجودًا أم أنّنا قادرون على نظرة إيمان بعيدة، تنتظر في الداخل والخارج؟ حافظوا على حكمة النظر – التي يمنحها الرّوح القدس -: انظروا جيدًا، وقيسوا المسافات جيدًا، وافهموا الحقائق.
الله لا يكف عن أن يعطينا إشارات تدعونا إلى تنمية رؤية متجدّدة للحياة المكرّسة.
لا يمكننا أن نتظاهر بعدم رؤيتها ونستمر كما لو أنّ شيئًا لم يحدث، فنكرّر الأشياء المعتادة، ونجر أنفسنا في الخمول وفي طرق الماضي، مشلولين بخوف التغيير.لم يكن سمعان ولا حنة شديدّين، لا، بل عاشا الحرية وتمتعا بفرح الاحتفال: سبح سمعان الله وتنبأ بشجاعة لأم يسوع، وحنة، المرأة المسنة الجيدة، ذهبت من جانب إلى آخر وقالت: ”انظروا إلى هؤلاء، انظروا إلى هذا!“.
لقد أعلنا البشرى بفرح، وكانت عيونهما مليئة بالرجاء.
لم يكن لهما خمول الماضي، ولا شدّة وصلابة.
لنفتح عيوننا: أمام الأزمات – نعم، هذا صحيح، هناك أزمات - وأعداد المكرّسين الآخذة بالنقصان – ”يا أبتِ، لا توجد دعوات، سنذهب الآن إلى أقاصي الأرض لنرى ما إذا كان بإمكاننا أن نجد أحدًا ما“ -، والعزيمة التي قلّت، الرّوح يدعونا إلى أن نجدّد حياتنا وجماعاتنا.
وكيف نفعل ذلك؟ هو سيشير لنا إلى الطريق.
لنفتح قلوبنا بشجاعة وبدون خوف.
ولننظر إلى سمعان وحنّة: حتى لو تقدّما في السنين، لم يقضيا أيامًا في الندم على الماضي الذي لا يعود أبدًا، بل فتحا ذراعيهما على المستقبل الذي أتى للقائهما.
أيّها الإخوة والأخوات، لا نضيّع ”اليوم“، فننظر إلى الأمس، أو نحلم بغد لن يأتي أبدًا، بل لنضع أنفسنا أمام الله، في السجود، ولنطلب عيونًا تعرف أن ترى الخير وتُبصر طرق الله.