دخل يسوع في حوار مع التلميذَين: ماذا تريدان؟ - يا سيِّد أين تقيم؟ - تعاليا وانظرا". كانت الرغبة والمبادرة من التلميذَين كافيتَين لكي يبدأ يسوع حواره معهما.
إنّه يقدّم لنا ذاته "طريقًا وحقيقة وحياة"، من دون أن يفرضها على أحد.
بل كلّ شخص ينعم بعقل ومعرفة ومواهب، عليه هو أن يأخذ قرار حياته بيده، بفعل إرادة حرّ: "ماذا تطلبان؟" والمسيح – عمانوئيل – الله معنا، هو في جهوزيّة دائمة ليرافقه في الطريق المؤدِّي إلى خلاصه.
سألاه عن "مكان إقامته"ليكونا معه في شركة حياة، وكأنّهما وجدا الكنز الذي يبحثان عنه.
فكان جوابه: "تعاليا وانظرا".
"أقاما عنده ذلك اليوم".
أعطياه وأعطاهما كلّ الوقت.
إنّه سخاء الوقت نقدّمه لله.
فالعلاقة معه بحاجة إلى سخاء الوقت.
كم نحن بحاجة إلى هذا السخاء!
في الكنيسة نستطول كلّ شيء: القداس، التراتيل، الصلوات، العظة... ونتطلّع مرارًا إلى الساعة، ونرى كأن الوقت يذهب ضياعًا.
ذلك أنّنا لم نلتقِ الله.
فعندما نلتقيه ننسى الوقت، ولا نجرؤ النظر إلى الساعة لئلّا نرى الوقت يمرّ سريعًا.
أليست هي حالتنا عندما نجالس شخصًا نحبّه؟
عدم السخاء بالوقت يدمِّر العلاقات بين الأشخاص: بين الزوجَين، إذ لا وقت لسماع ما يشكو منه الزَّوج الآخر أو ما يرغب أن يقوله؟ بين الأهل وأولادهم، لا يجدون الوقت لتبادل الكلام والآراء والأفكار والحاجات والرغبات؛ بين الجماعة السياسيّة والشعب، لسماع مطاليبه ومعاناته، وللحلول التي يقترحها.
إنّ عدم السّماع يؤدِّي إلى الكبت، ثمّ إلى الانفجار، فإلى الانفصال وكسر الرباط، والثورة والنزاعات.
كانت نتيجة سخاء الوقت مع يسوع، أن التلميذَين اكتشفا سرّ يسوع وعادا بفرح يخبران عنه.
"فلقي اندراوس أخاه سمعان، وقال له: لقد وجدنا مشيحا أي المسيح".
هذه شهادة عظيمة فيسوع الذي هو من الناصرة، هو إيّاه المسيح المنتظر، الذي تكلّم عنه الأنبياء.
سقطت الشهادة في قلب سمعان، "فجاء به أخوه إلى يسوع" ، وكانت المفاجأة.
فبعد أن حدّق يسوع إليه أعلن تبديل اسم سمعان إلى بطرس أي الصخرة.
هو يسوع يقرأ في مكنونات القلب، لا في ظاهر الإنسان.
لقد اكتشف أنّ سمعان بن يونا هو رجل الإيمان، كما سيظهر في قيصريّة فيليبس ( متى ١٦ / ١٦ )، ورجل المحبة الخالصة ليسوع، كما سيتبيّن على شاطئ بحيرة طبريّه( يوحنَّا ٢١ / ١٥-١٧ ).
لذلك جعله صخرة إيمان يبني عليها كنيسته، وراعيًا مُحبًّا لخرافه. إنّها ولادة جديدة. آمــــــــــــين.