رسالة الكاهن هي أن “يعطي الطعام في حينه” للنفوس خاصّة المسيح التي يسمّيها “اهل بيته”.
هذا الطعام يشمل مسؤوليّات الكاهن الأساسيّة الثلاث: كلمة الله التي تولِّد الإيمان وتنير العقول والقلوب، ويقدِّمها للجميع بالكرازة والتعليم والإرشاد والكتابة؛ تقديس النفوس بتوزيع نعمة الأسرار، وتأدية الخدم الليتورجيّة، وإحياء الصلاة الفرديّة والجماعيّة لدى المؤمنين، والسّهر عليهم، وتقويم كلّ مسلك أوتصرّف منافٍ للإنجيل ولتعليم الكنيسة الرسمي الروحي والأخلاقي؛ خدمة المحبة برعاية النفوس وتكوين جماعة متحابّة وموحَّدة ومتضامنة؛ وبالاهتمام بالفقراء والمرضى والمسنّين واليتامى وذوي الحاجات الخاصّة؛ وبتّ النزاعات بين الأزواج أو بين سواهم بالمصالحة والتفاهم، وتجنّب الحلول القضائية إلّا في الحالات المستعصية.
من واجب المؤمنين أن يطلبوا هذا الطعام الروحي والاجتماعي، ويسعوا إليه، ويقبلوه، ويعاونوا الكاهن في تقديمه لأبناء رعيته، من خلال المبادرات الفردية، عبر المجالس واللجان والمنظّمات الرسوليّة وسواها من الترتيبات الكنسيّة.
بالنسبة إلى أصحاب المسؤوليّات في العائلة أو المجتمع أو الدولة، فيتنوّع “الطعام” المطلوب أن يؤدّوه.
لكنّه دائمًا خير الأشخاص والخير العام، وفقًا لتنوّع المسؤوليّات والمهمّات والوظائف.
على كلّ وكيل، بل كلّ صاحب مسؤوليّة وسلطة، أن يؤدّي حساب وكالته، لكي ينال جزاءه، ثوابًا أم عقابًا.
هذا ما يؤكّده الربّ يسوع في الإنجيل.
فالوكيل الذي يلتزم بواجبه ينال ثوابه، إذ “يقيمه سيّده على جميع مقتنياته”، فيقول السيّد: “طوبى لذلك الخادم”.
كلمة “طوبى” تشير إلى الخلاص الأبدي، إلى النعيم في ملكوت السماء.
هذا ما ينبغي أن يسعى إليه الكاهن.
فإذ يشركه المسيح في كهنوته من أجل تحقيق مشروعه الخلاصي الشامل، عليه، من خلال التزامه بواجب خدمته، أن ينال هو أوّلًا ثمار الخلاص، ليستطيع إشراك المؤمنين فيها.
فحيث يدخل الرأس، يدخل الجسم كلّه.
فينبغي أن تقدّس الخدمة الكهنوتيّة الكاهن الذي يقوم بها.
وكون الكاهن إنسانًا ضعيفًا كغيره، ومسؤوليّته كبيرة، فإنه يحتاج إلى صلاة المؤمنين ودعمهم وتشجيعهم وتفهّمهم واحترامهم.
“أن يقيمه على جميع مقتنياته” يعني ثواب المشاركة في الحياة الإلهيّة التي لا تثمَّن.
وبالتالي يرتضي الوكيل من أجلها التضحيات والتعب وبذل كلّ جهد في تأدية رسالته وواجبه.
“فآلام الدهر لا توازي أفراح المجد الآتي” .
أمّا الوكيل الذي لم يلتزم بواجب وكالته، بل أساء استعمالها وأفرط بها واستغلّها للتسلّط والظلم، ونسي أنّه موكَّل، وظنّ أن مسؤوليّته صادرة منه.
هذا، عندما يأتي سيّده، أي عندما يُطلب منه تأدية حساب وكالته في هذه الدنيا وعند ساعة موته، ينال شرّ عقاب : “يفصله ويجعل نصيبه مع الكافرين” ، في حالة هلاك أبدي لا تنفع فيه ساعة الندم.
من الضروري أن يُجري الكاهن وكلّ مسؤول، في نهاية يومه، حسابًا وجدانيًّا مع نفسه.
يتساءل حول أمانته وحكمته في اداء واجبه، لكي يعي النقص والشّر والمخالفة، ويستغفر الله عنها، ويجدّد مقاصد الإصلاح والالتزام.
فخاتمة كلّ نهار مقدِّمة لخاتمة العمر. تبقى القاعدة الأساسيّة: “من أُعطي الكثير يُطلب منه الكثير، ومن ائتُمن على الكثير يُطالب بأكثر”.
كلّ مسؤوليّة تستجلب حسابًا ودينونة يتناسبان مع درجتها وكبرها.
الكهنوت مسؤوليّة عظيمة لا حدود لها، لكون الكاهن يواصل رسالة المسيح، بل من خلاله وبواسطته يتواصل عمل المسيح الخلاصي.
فإذا علّم الكاهن كلام الله، هو نفسه المسيح الذي يتكلّم، وإذا مارس أيّ سرّ من اسرار الخلاص، المسيح نفسه يمارسها.
بقلب الكاهن المسيح يحب، وبعقل الكاهن ولسانه يفكّر بالحقّ وينادي به، وبإرادة الكاهن يعمل الخير، وبيده يبارك ويعطي.