الاعتبار الأوّل، الإصغاء إلى شخص يعطينا ذاته في كلماته.
وعلامة هذا الاصغاء هو الوقت الذي نخصّصه له، لا كمكيّة بل كشعورٍ من قبله بأنّ وقتنا هو له، وكشعوره بأنّنا نصغي إليه دون قيدٍ أوشرط، وبأنّه لا يزعجنا أو يتعبنا أو يسيء إلينا.
هذا الإصغاء عاشه يسوع مع تلميذَي عمّاوس.
الاعتبار الثّاني، التّمييز أي الغوص في الزّمن الذي يتمّ فيه تمييز النّعمة عن التّجربة.
فأحيانًا ما تكون الأمور التي تجري في خيالنا مجرّد تجربة تبعدنا عن طريقنا الحقيقيّ.
هنا ينبغي أن أسأل نفسي ما الذي يقوله لي هذا الشّخص بالضّبط، وماذا يريد أن يقوله لي، وما الأمر الذي يريدني أن أفهمه ممّا يحدث.
هذه الأسئلة مع الإصغاء تهدف إلى تمييز الكلمات الخلاصيّة للرّوح الحقّ الذي يعرض علينا حقيقة الرّبّ، وإلى تمييز مكايد الرّوح الشرّير وخداعه وإغراءاته.
فعلينا أن نتحلّى بالشّجاعة والمودّة والرقّة اللّازمة لمساعدة الآخرين على إدراك الحقيقة وتمييزها عن الخداع والذّرائع.
الاعتبار الثّالث، الإصغاء إلى الحوافز التي تدفع بالآخر إلى الأمام.
إنّه الإصغاء العميق إلى "حيث يريد الذهاب حقًا".
فيكون الاهتمام لما يريد أن يكون، لا لما يفكّر به في الوقت الحاضر، ولا لما فعله في الماضي.
هذا يتطلّب من الشّخص ألاّ يتطلّع كثيرًا إلى ما يحبّه، وإلى رغباته السّطحيّة، بل بالأكثر إلى ما يرضي الله ومخطّطه لحياته الذي يظهر في ميل القلب، أبعد من "سطحيّة" الأذواق والمشاعر.
هذا الإصغاء هو الانتباه إلى العزيمة القصوى، التي تقرّر مسار الحياة في النهاية، لأنّ هناك شخصًا مثل يسوع يفهم ويقدّر نيّة القلب النّهائيّة هذه.
بنتيجة هذه الاعتبارات الثّلاثة، يصبح التّمييز أداة التزامٍ قويّ لاتّباع المسيح على نحوٍ أفضل؛ وتكتسب الرّغبة في التّعرّف على الدّعوة الشّخصيّة قوةً عظيمةً، وجودةً بالغةً ومستوًى أعلى.
وهكذا تتناسب بشكلٍ أفضل مع كرامة الحياة الشّخصيّة.
إنّ التّمييز الجيّد هو في النّهاية مسيرة حريّة تنير واقع كلّ شخص، وتحترم فرادته والحقيقة الشّخصيّة التي يمتلكها، والتي وحده الله يعرفها.
وأخيرًا، عندما يصغي المرء إلى الآخر ويبلغ به إلى الحقيقة التي ينشدها، يجب أن يختفي ليسمح للآخر بمتابعة الطّريق الذي اكتشفه.
هكذا فعل الرّبّ يسوع مع تلميذَي عمّاوس .آمــــــــــــين.