طبيعة الكهنوت في تراثنا الأنطاكيّ السريانيّ المارونيّ هي مستقاة من الكتاب المقدّس وتتجلّى في طقوسنا وكتبنا الليتورجيّة.
ذلك لا بأنّ الليتورجيا التي طبعت دومًا إيمان أبناء كنيستنا هي منبر التعليم، وبالتالي فهي شرح للكتب المقدّسة بالقراءة والتأمّل الطويل والصلاة والإنشاد.
وهي تتمحور على شخص المسيح، وحيد الآب، في تدبيره الخلاصيّ، المتجلّي في بيعة القدس بفعل الروح القدس.
فالكهنوت في مفهومنا ينطلق من “يسوع إلهنا الذي هو مصدر الكهنوت الأوحد ومبدؤه، لأنّه هو عظيم أحبار اعترافنا”.
منه كلّ كهنوت، إنْ في العهد القديم أو في العهد الجديد.
فالكهنة قبله كانوا صورة عنه، وقد تقدّسوا به.
والكهنة بعده أقيموا على يده وبواسطته أيضًا يخدمون.
في الكهنوت الذي كان قبل المسيح، يشير تراثنا إلى محاور ثلاثة تنبثق كلّها من المسيح “عظيم الأحبار الأوحد” وتكتمل فيه:
كهنوت آدم الذي “جبله الله منذ البدء ليرتِّل له التسبيح ويرفع الشكر عن المخلوقات كلّها” وسلّطه على الكون جاعلاً إيّاه “كاهنًا وَحبرًا وملكًا” .
كهنوت ملكيصادق الذي “كان كاهنًا لله العليّ” (تك ١٤/١٨ ) “وهو على مثال ابن الله ويبقى كاهنًا أبدَ الدهور” ( عبرانيين ٣ / ٧ ).
كهنوت هارون الذي أقامه موسى للشعب اليهوديّ لكي يقدّم الذبائح لله .
أمّا الكهنوت الذي أنشأه “الكاهن الأوحد والأبديّ” يسوع المسيح في شخصه لخدمة الشعب الكهنوتيّ الذي هو الكنيسة، فهو الكهنوت المسيحانيّ أو البيعيّ.
إنه الكهنوت الذي بدأه المسيح الابن قبل الدهور وتمّمه بتجسُّده وموته على الصليب، مكمّلاً بذلك كهنوت العهد القديم، ولا يزال يواصله وهو عن يمين الآب حيث هو جالس يشفع لنا على الدوام ( عبرانيين ٢٥ / ٧ ).
إنّه الكهنوت الذي يصبح بالمسيح “تقدمة قربان” أو افخارستيّا حيث المسيح ابن الله، الذي صار إنسانًا، يقدّم ذاته الإنسانيّة بكاملها قربانًا لأبيه وفداءً عن البشر لخلاصهم.
إنّه “الكهنوت الحقّ” أيّ الوحيد الذي حقّق وساطة أصيلة ونهائيّة بين الله والنّاس.
وهو الكهنوت عينه الذي وكَلَه المسيح إلى كنيسته العروس بقوّة الروح القدس، وهو يستمر في الكنيسة عبر الرسل وخلفائهم الأساقفة الذين يمنحونه “مَن هم أهل ليقوموا بخدمة الثالوث بالنقاوة ويتفرّغوا لها كلّ أيّام حياتهم”.
فقد “سلّمه أوّلاً إلى سمعان رئيس الرسل، وعلى يده إلى البيعة المقدّسة حتى انقضاء العالم” ؛ ثمّ “إلى الرسل والرسل إلى البيعة”؛ “والرسل أقاموا من بعدهم شمامسة وكهنة ورؤساء كهنة اقتبلوا عن غير استحقاق سلطان الكهنوت”. آمــــــــــــين.