HTML مخصص
29 Jan
29Jan

يؤكّد الرب يسوع أننا سَنُدان على المحبة الإجتماعية أعني مساعدة مَن هم في حاجة مادية أو روحية أو معنوية أو أخلاقية.

فتتضافر الجهود من قِبل الجميع، أفرادًا وجماعات، ومن قِبل الكنيسة بعملها الراعوي في الأبرشيات والرعايا والأديار، وبعملها الاجتماعي والإنساني والإنمائي في مؤسساتها التربوية والاستشفائية وتلك المعنية بالحاجات الخاصة؛ ومن قِبل المجتمع والدولة في مختلف النشاطات الإدارية والتشريعية والإجرائية والقضائية والأمنية.

هذه مسؤولية شاملة تفرضها الحالات السّت التي يعدّدها الربّ يسوع في إنجيل اليوم، وهي ذات طابع شمولي للحاجات.


يوجد بيننا: الجائع إلى خبز وطعام، والجائع إلى حقّ وعدل وإنصاف وعلم وثقافة.

العطشان إلى ماء وسوائل لجسمه، والعطشان إلى كرامة وتفهّم وفرصة عمل وتحقيق ذات.

العريان المحروم من الثوب والحذاء والأثاث لبيته، والمعرّى من الصيت الحسن بالكذب والنميمة.

الغريب البعيد عن أهله وبيئته ووطنه، والغريب بين أهله ورفاقه وفي بيئته، عندما يعاني الوِحدة والعزلة وعدم الفهم والرفض والاقصاء وعدم الاعتبار.

المريض جسديًا ونفسيًا وعصبيًا، والمريض بروحه وأخلاقه بسبب حالة الخطيئة التي يعيش فيها، والكبرياء، والأنانية، والبخل والأميال المنحرفة.

السجين وراء قضبان الحديد، أو المخطوف أو المحتَجز، والسجين مأسورًا بالتبعية العمياء، وبالاستعباد لآخر، وسجين أرائه ومواقفه وإيديولوجيات وغسيل دماغ.

هؤلاء كلّهم بحاجة إلى محبتنا تساعدهم للخروج من حاجاتهم العديدة والمتنّوعة.

وكلنا قادرون على مدّ يد المساعدة لهم، أكانت مادّية أم روحيه أم معنوية أم أخلاقية.

لا يمكن اتّخاذ موقف اللامبالاة واللامسؤولية.

فبحكم فضيلة التضامن، كلّنا مسؤولون عن كلّنا.

هذه المحبة للإنسان في حاجته، أيًّا تكن، هي الطريق إلى الإلتقاء بالله.

بهذا المعنى كتب يوحنا الرسول:”إن قال أحدٌ: إنّي أحبّ الله، وهو يبغض أخاه، فهو كاذب.

فمن لا يحبّ أخاه وهو يراه، لا يستطيع أن يحبّ الله وهو لا يراه” ( ١ يو ٤ / ٢٠ ).

فمن يتجاهل الإنسان، يتجاهل الله أيضًا.

لكن الله أحبّنا هو أولاً، وما زال يحبّنا هو أولاً.

لذلك يمكننا نحن أيضًا أن نجاوب بالحبّ.

إنطلاقًا من “حبّ الله الأول” يمكن، جوابًا على حبّه، أن يتفجّر الحبُّ أيضًا فينا.

هذا يحصل عندما نختبر، ما اختبره القديس أغوسطينوس ، وهو أن “الله أقرب إليّ أكثر مما أنا عليه من ذاتي” .

حينئذٍ يتنامى التسليم لله، والله يصبح فرحنا ، ومحبة الإنسان تصير ممكنة، لكوني أحبّه في الله ومع الله.

وهكذا أنظر إلى الشخص الآخر، ليس فقط بعينيّ وعواطفي، بل ومن وجهة نظر يسوع المسيح.

فصديقه صديقي.

والمسيح هو صديق كل إنسان.

عندما انظر وأرى بعيني المسيح، استطيع أن أعطي الآخر أكثر بكثير من الأشياء التي يحتاج إليها خارجيًّا: يمكنني أن أهبه نظرة الحبّ التي يحتاج إليها.

ولكن إذا كنت افتقر كليًا في حياتي إلى معرفة المسيح، وإلى التواصل مع الله، فلن أستطيع أبدًا أن أرى في الآخر إلاّ الآخر، ولن أنجح في أن أتعرّف فيه على صورة الله.

وبالعكس، إذا أهملت تمامًا في حياتي الانتباه إلى الآخر، راغبًا فقط في أن أكون “تقيًا”، وأتمّم “واجباتي الدينية”، حينئذٍ تيبس علاقتي مع الله.

تكون علاقتي هذه “صحيحة شكليًا”، ولكنها خالية من الحبّ.

وحدها خدمة القريب تفتح عينيّ على ما يصنعه الله من أجلي، وعلى طريقته هو في محبّته لي.


عندئذٍ انطلق منه بكثير من الحب نحو “أخوة الرب الصغار”.

نفكّر مثلاً “بالقديسة تريزا دي كلكوتا، والطوباوي أبونا يعقوب حداد الكبوشي وغيرهم من أمثالهم.

لقد نهلوا من لقائهم الرب في القربان القدرة على محبة “الأخوة الصغار”، بتجدد دائم.

وبفضل خدمتهم للأخوة المحتاجين ازدادت محبتهم لله واتّحادهم به.

وهكذا، محبة الله ومحبة القريب لا تنفصلان.

إنهما وصية واحدة، بل يصبحان اختبار حبّ نابع من الداخل. آمــــــــــــين.



/الخوري جان بيار الخوري/

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.