المقاومة لا تقف عند حدود، بل سيقف ضد المؤمن حتى أهل بيته وأقاربه. ولكن السيد إذ يخبرنا بما سيحدث يطلب منا الصبر بروح الثقة في إلهنا ومسيحنا وبروح الرجاء في الأبدية. والصبر المطلوب من المؤمن ليس هو الصبر في مواجهة الإضطهاد فقط بل الصبر في احتمال أي ألم يسمح به الرب، والصبر على تنفيذ وصايا المسيح حتى آخر يوم في حياتنا "بصبركم إقتنوا أنفسكم" (لو21: 19).
آية (23):-وَمَتَى طَرَدُوكُمْ فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ فَاهْرُبُوا إِلَى الأُخْرَى. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُكَمِّلُونَ مُدُنَ إِسْرَائِيلَ حَتَّى يَأْتِيَ ابْنُ الإِنْسَانِ.متى طردوكم فاهربوا = هنا السيد يضع مبدأً هامًا، فإذا ثارت العاصفة وكان هناك فرصة أن نهدئ منها، بأن نبتعد فلنبتعد، ولا نعطي فرصة للمضايقين أن يزدادوا غضبًا وثورة، لا داعي أن يلقي أحد نفسه وسط المخاطر التي قد لا يحتملها جسده الضعيف، ولكن إن وقعنا في أيديهم وطلبوا منا أن ننكر إيماننا، هنا لزم الاستشهاد. وهرب الكارزين من مدينة إلى مدينة سيكون فيه فرصة لانتشار الإيمان وهذا ما حدث في بداية المسيحية، إذ حينما أثار اليهود الاضطهاد ضد الكنيسة هرب المسيحيون إلى كل مكان فانتشرت الكرازة.
لا تكملون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان = فهم عليهم حين يثوروا ضدهم أن يهربوا إلى مدينة أخرى يكرزون فيها، ثم يقابلهم اضطهاد آخر فيهربوا إلى مدينة أخرى ليكرزوا فيها. وحينما يكملون كل مدن إسرائيل يأتي ابن الإنسان، فما معنى هذا؟ هناك معنيين:-
1- حين ينتهي إيمان المختارين من اليهود يأتي ابن الإنسان ليدين الأمة اليهودية على كل ما اقترفته حتى الصليب، وستخرب أورشليم والهيكل بعد أن يخرج منها الذين آمنوا، وهذا ما حدث سنة 70 م. فلقد أحرق تيطس أورشليم وقتل أكثر من مليون وصلب 120000 وأحرقهم وهدم الهيكل تمامًا. وكان هذا بعد أن تشتت المسيحيين في كل مكان. بل في خلال حصار أورشليم هرب منها كل المسيحيين ولم يبق منهم ولا واحد، فلم يُؤذي مسيحي واحد خلال هذا الحصار.
2- حتى الآن هناك يهود سيؤمنون ونحن نعلم أن دخول البقية للإيمان هو علامة على نهاية الأيام ومجيء المسيح في مجيئه الثاني. فقول السيد لا تكملون مدن إسرائيل = قد يشير لكمال دخول البقية من اليهود للمسيحية في نهاية الأيام (رو 11: 15، 25-32).
3- تعبير ابن الإنسان مأخوذ من (دا7: 13 + 22) وفيه تصوير لإبن الإنسان الديان. فاليهود يفهمون التعبير على أنه للدينونة. وهذا ما حدث فعلا سنة 70م. على يد تيطس الروماني. ويعتبر هذا د "لا تقتنوا ذهبا ولا فضة ولا نحاسا في مناطقكم، ولا مزودا للطريق ولا ثوبين ولا أحذية ولا عصا، لأن الفاعل مستحق طعامه" - "وأوصاهم أن لا يحملوا شيئا للطريق غير عصا فقط، لا مزودا ولا خبزا ولا نحاسا في المنطقة. بل يكونوا مشدودين بنعال، لَيْسَ التِّلْمِيذُ أَفْضَلَ مِنَ الْمُعَلِّمِ، وَلاَ الْعَبْدُ أَفْضَلَ مِنْ سَيِّدِهِ. يَكْفِي التِّلْمِيذَ أَنْ يَكُونَ كَمُعَلِّمِهِ، وَالْعَبْدَ كَسَيِّدِهِ. إِنْ كَانُوا قَدْ لَقَّبُوا رَبَّ الْبَيْتِ بَعْلَزَبُولَ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ أَهْلَ بَيْتِهِ!هنا المسيح يقدم نفسه كقدوة في احتمال الألم. وبهذا تصير أسلحة المؤمن التي يقدمها له الله لاحتمال الألم.
1- الروح القدس الذي يتكلم فيه ويمنحه القوة.
2- الصبر والرجاء إلى المنتهى وهذا يعطيه لنا الروح فالله لم يعطنا روح الفشل.
3- المسيح كقدوة في احتماله الألم. (راجع 1بط1:4)
4- المسالمة بقدر إمكاننا مع من يضطهدوننا حتى لا نثيرهم.
ولاحظ أن السيد المسيح لم يَعِدْ أن يمنع الألم عمن يتبعه، ولكن وَعْدْ المسيح كان بأن يملأ القلب سلامًا من الداخل، فالألم الخارجي ينتصر عليه السلام الداخلي والعزاء الداخلي والفرح الداخلي. وهذه هي النصرة على الألم في المسيحية. والمسيح هنا يضع نفسه كمثال، فإن كان قد تألَّم وهو رب المجد أفلا نقبل الألم، بل قيل عنه أنه تَكَمَّلَ بالألم (عب 10:2). أفلا نقبل الألم لنكون كاملين. فما يسمح به الله هو لأجل أن نتكمل. هو تكمل بالألم ليشابهنا في كل شيء، ونحن نتكمَّل بالألم لنَكمُل ونشبهه.