إذ سمع التلاميذ المسيح يتكلم عن ملكوته كثيرًا ظنوا أن ملكوته يقوم قبل موته،
والآن إذ هو يتحدث عن موته معلنًا لهم عنه مقدمًا. جاءه التلميذان ليتمتعا بكرامات الملكوت.
سؤال المسيح لهما: ماذا تريدان ليس عن جهل منه للأمر، وإنما ليلزمهما بالإجابة، فيفتح الجرح ويقدم له الدواء.
أجابهما السيد: "لستما تعلمان ما تطلبان"
كأنه يقول لهما أنكما تتحدثان عن الكرامات بينما أتكلم أنا عن الصراعات والمتاعب. إنه ليس وقت المكافأة الآن بل هو وقت الدم والمعارك (الروحية) والمخاطر، لذلك أضاف: "أتستطيعان أن تشربا الكأس التي أشربها أنا، وأن تتعمدا بالصبغة التي أصطبغ بها أنا؟". لقد سحبهما من طريق سؤالهما إلى الالتزام بالشركة معه لتزداد غيرتهما.
لقد قصد بالكأس والصبغة (المعمودية) الصليب، الكأس هي الجرعة التي نتقبلها بواسطته بعذوبة، والمعمودية هي علة تطهيرنا من خطايانا. وقد أجاباه بغير إدراك قائلين له: "نستطيع"، إذ حسباه يتحدث عن كأس منظورة وعن المعمودية التي كان اليهود يمارسونها التي هي الغسالات قبل الأكل.
لقد تسرعا في الإجابة إذ ظنا أنهما ينالان كرامة الملكوت فورًا، لذلك أجابهما: "أما الكأس التي أشربها أنا فتشربانها، وبالصبغة التي أصطبغ بها أنا تصطبغان. وأما الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أعطيه إلا للذين أُعِدَ لهم"
وكأنه يقول لهما ستنعمان بالآلام معي والاستشهاد أيضًا، لكن أمر تمتعكما بأمجاد الملكوت فهو أمر إلهي يوهب لكما لا حسب فكركما المادي إنما حسب خطة الله الخلاصية.
في قوله "ليس لي أن أعطيه إلا للذين أعد لهم" يعلن دور الآب في يوم الرب العظيم، إذ هما يعملان معًا...
مع أنه هو الذي يدين، لكنه يظهر بهذه العبارة بنوته الأصلية.
"ولما سمع العشرة ابتدأوا يغتاظون من أجل يعقوب ويوحنا" ،
فقد دفعتهم المشاعر البشرية إلى الحسد. هذا هو المرض الذي يوجهه عدو الخير بين الخدام؛ حب الرئاسات والكرامة الزمنية.
اعنا يا رب فمن دونك لا نستطيع شيئ.
بينما كان السيِّد يتَّجه نحو أورشليم ليقدّم حياته فدية عن البشريّة، تقدّمت إليه أم ابنيّ زبدي.
كانت تمثل الفكر اليهودي، فتطلب لابنيها المُلك الزمني بطريقة ماديّة ملموسة.
وجِّه السيِّد حديثه نحو ابنيها ليكشف لهما طريق العظمة الحقيقيّة،
و وجَّه أفكارهما إلى كأس الصليب وصبغة الألم،
وإذ ظنَّا أنهما يستطيعان ذلك لم يحطِّم نفسيَّتِهما، وإنما وجَّهها إلى الآب الذي يُعد الإكليل لكل أحد.
ليتنا نتقدّم إلى حضرة ربّنا يسوع المسيح كأم ابنيّ زبدي، فيقدّم كل منّا روحه وجسده كابنين له، لا ليطلب لهما راحة زمنيّة أو كرامة باطلة مؤقّتة، وإنما لكي يدخل بهما روحه القدّوس إلى كأسه فيشربانها ويتمتّعا بالدفن معه، ويقوما حاملين سِمات المُقام من الأموات سرّ مجد لهما. عندئذ ينتظر الإنسان الإكليل الأبدي.
امنحنا يا رب ان نرضى بصليبنا دون تذمر و دون التلطي خلف ضعفنا البشري.
/خادم كلمة الرب/
#كلمة حياة