آية (١٥): "لا أعود اسميكم عبيدًا لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيده لكني قد سميتكم أحباء لأني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي."
السيد يكشف أسراره لأحبائه لا لعبيده. والمسيح كشف لنا تدابير الآب التي هي أيضًا تدابيره ولا أحد يعرف قلب الآب سوى الابن. ولذلك لم يخفي الله عن إبراهيم ما هو فاعله (تك17:18) وما الذي أعلنه المسيح لأحبائه؟ هو أعلن لهم محبة الآب وأعلن لهم الآب فهو وحده الذي يعرف الآب (يو18:1). والذي رأى المسيح فقد رأى الآب، هو يعلن ما يمكن أن ندركه والعبد يطيع إما عن خوف أو طلبًا في أجرة أو فائدة. أما الابن فيطيع عن حب. ما سمعته من أبي= هو قبلات وأحضان الآب للإبن الضال. هو اشتياق الآب لعودة أبنائه لحضنه. وهي نفس اشتياقات الابن لنا. فقوله ما سمعته هو تعبير عن تطابق فكر الآب والابن. لكن الآب ما يريده يعلنه الابن.
ولكن في (لو17: 10) يدعونا الرب أن نقول أننا عبيد بطالون ، ولكن كان هذا حتى لا نسقط في الكبرياء. فالله يسكن عند المتواضعين (إش57: 15). فالله نفسه متواضع.
آية (١٦): "ليس انتم اخترتموني بل أنا اخترتكم وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم لكي يعطيكم الآب كل ما طلبتم باسمي."
ليس أنتم اخترتموني= دعوتهم هي دعوة إلهية لأجل محبته لهم. وهذا ما يعطيهم الحافز لاحتمال الآلام في خدمتهم أن الله يحبهم ويثق فيهم (هذه الآية موجهة للخدام). ولنلاحظ أن الله دائمًا هو صاحب المبادرة في كل ما يمت للإنسان من الخيرات السماوية. فهو الذي بادر وأتى ليجعلهم أبناءً بدلًا من عبيد ويعطيهم المجد الذي له (يو 22:17) ويعطيهم الفرح هنا. والله يختارني وأنا أقبل هذا الاختيار وأختار الله تاركا العالم. ولكن لنلاحظ أن قول الرب اخترتكم= هذه لا تخص الخلاص بل اخترتكم للرسولية (فهو اختار يهوذا)= لتأتوا بثمر لهذا اختارهم رسلا ليرسلهم لكل العالم. إذًا ليس لهم فضل في أن يكونوا رسلًا بل الفضل للمسيح في اختيارهم، فهو صاحب المبادرة. هو الذي يعرف ظروفهم ومواهبهم وضعفاتهم. ولكن هذا لا يمنع أنهم هم لا بُد أن يقبلوا الدعوة. أما بالنسبة لكل إنسان فهو يريد أن الجميع يخلصون (1تي4:2) إذًا هو يدعو الجميع ولكن كل واحد حر في أن يقبل أو يرفض. أما لو قيل أن الله قد اختار إنسانًا للخلاص، فهذا يعني سبق معرفة الله لقبول هذا الإنسان دعوة الله له للإيمان (رو29:8).
لتذهبوا= الله اختارهم كتلاميذ لا كشرف لهم فقط بل ليدعوا العالم بكرازتهم. ويكونوا سفراء له. فالكنيسة ستبنى على أساس الإيمان الذي سيكرزوا به. فالثمر المطلوب هو إيمان كل العالم بالمسيح فيكون لهم حياة. يدوم ثمركم= الإثمار مستمر في الكنيسة وخدامها وخدمتها للعالم كله حتى نهاية الدهر. يعطيكم الآب كل ما طلبتم بإسمي= المسيح هو المتكفل بأن يعطيهم الآب كل ما يطلبونه ويحميهم من مخاطر الكرازة ويضمن لهم الثمر الكثير. ولنلاحظ أن الثمر الكثير واستجابة الصلاة نتيجتان لثباتنا في المسيح. ولاحظ أنهم حينما يجاهدون ويكرزون بالمسيح يستجيب الله لصلواتهم إذ هم أمناء. فيعطيهم ما يطلبونه فيزداد ثمرهم. فلا ثمر بدون صلاة ولا ثبات بدون صلاة وبدون محبة (آية17). ولاحظ أن هذه هي إرادة الله أنه اختارهم وأرسلهم ليأتوا بثمر ليتمجد، لكن لا نجاح لخدمتهم إلاّ [1] بالصلاة [2] بثباتهم في المسيح.
كل ما طلبتم بإسمي= فمع أن إرادة الآب أن يتمجد بزيادة المؤمنين إلاّ أنه ينبغي أن نصلي لأجل ذلك.
الآيات (١٧-١٨): "بهذا أوصيكم حتى تحبوا بعضكم بعضًا. أن كان العالم يبغضكم فاعلموا أنه قد ابغضني قبلكم."
في الآيات (18-27) نرى المواجهة مع العالم الذي يجهل الآب والابن وعداوة العالم لكنيسة المسيح والمسيح نفسه. وعلى التلاميذ أن يكملوا الصراع الذي بدأه العالم مع المسيح. أبغضني قبلكم= أي سيبغضكم العالم، بسبب إيمانكم بي. والمقصود بالعالم، روح الشر الذي في العالم. أما العالم الذي خلقه الله فقيل عنه "هكذا أحب الله العالم". ولكن الروح القدس سوف يؤازرهم ويقدم المعونة في وقتها (1يو3:1 + 1بط12:4-19). ولكن المسيح يؤكد ويكرر على ضرورة المحبة بيننا لنستطيع أن نواجه العالم. والعالم يكره المسيح لأن قداسته ونوره يفضحان شرورهم. وهكذا الكنيسة التي فيها الحب يكرهها العالم. محبتنا لبعضنا البعض درع نواجه به كراهية العالم لنا. فمن خلال محبتنا يعمل الله فينا ويعطينا قوة ومعونة وتعزية. أما لو سادت الكراهية فى مكان فهذا يعطل عمل المسيح. ولو كرهنا العالم فنحن لا نكره أحد ولا نعادي أحد، بل نصلي لأجل الجميع ونحب الجميع. ومحبتنا تجعل المسيح يسكن فينا، وهذا هو الدِّرع الذي يجعلنا نحتمل اضطهاد العالم. لكن لنعلم أن الشيطان الذي يسود العالم سيجعل العالم يكرهنا. ومعنى كلام السيد هنا أنه ينبغي أن نعمل وسط عالم يبغضنا ويكرهنا، ونحب هؤلاء ونكرز لهم ونخدمهم، وهذا ما عمله هو تمامًا. فلا نقول أنه طالما أن العالم يبغضنا فهذا مبرر لنا أن نكره من يبغضنا. . الروح القدس يسكن فينا، فيعطينا المحبة للكل بلا تمييز، لمن يحبوننا ومن يكرهوننا. أما العالم فلا يسكن فيه الروح القدس. إذاً هم لهم عذرهم لو كرهوا، أما نحن فبلا عذر لو دخلت الكراهية إلى قلوبنا.
آية (١٩): "لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته ولكن لأنكم لستم من العالم بل أنا اخترتكم من العالم لذلك يبغضكم العالم."
(قارن مع 2تي12:3). الشيطان رئيس العالم لا يحتمل أن يهرب أحد من تحت سلطانه ويتركه. وحينما يحدث هذا ويدخل أي مؤمن في الكرمة سواء بالإيمان أو بالتوبة يٌهَيِّج الشيطان العالم ضده. وهذا ما حدث في بدء الكنيسة وما يحدث لكل تائب حتى الآن. ولكن هذا الهيجان وهذه البغضة ضد المؤمنين هي علامة ثبات في المسيح ورجاء لنا أننا على الطريق الصحيح. على شرط أن لا نكون نحن سببًا في هذه البغضة. العالم يحب خاصته= الذين أصبحوا عبيدًا له يعملون لحسابه (يو 44:8). فلا أحد يحارب الذين له وهذا غير محبة المسيح الباذلة. فمحبة العالم لخاصته هي محبة أنانية فيها يستعبد العالم خاصته كما يستعبد المال الناس. ولاحظ أن المسيح يكرر كلمة العالم في هذه الآية 5 مرات للتنبيه على خطورة هذا العدو. فالعالم يرفضنا لكن هذا لا يهم فنحن لسنا من العالم بل من فوق بعد أن إختارنا المسيح. أنا إخترتكم= كون أن المسيح اختارهم ليكونوا تلاميذه فهذا لأنه وجدهم ليسوا من العالم، ولأنهم أنقياء وصاروا من تلاميذ المسيح سوف يكرههم العالم، فالعالم يكره المسيح، لأن رئيس هذا العالم أي الشيطان يكره المسيح، وبالتالي يكره من هم للمسيح.
آية (٢٠): "اذكروا الكلام الذي قلته لكم ليس عبد اعظم من سيده إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم وأن كانوا قد حفظوا كلامي فسيحفظون كلامكم."
حفظوا كلامي= احترموا كلامي. وهذا لم يحدث. وسفر الأعمال شاهد كيف قاوم اليهود كرازة الرسل وكلام المسيح. هذا النص وارد في (يو16:13). والمسيح أسمانا بنين وأحباء فلماذا يعود ويسمينا عبيد؟! المسيح يسمينا أبناء ولكن علينا أن نسمي أنفسنا عبيد، علينا أن ندرك في أنفسنا أننا عبيد.. "متى فعلتم كل ما أمرتم به فقولوا إننا عبيد بطالون" (لو10:17)
آية (٢١): "لكنهم إنما يفعلون بكم هذا كله من أجل اسمي لأنهم لا يعرفون الذي أرسلني."
سبب الاضطهاد ضد الكنيسة هو ارتباطها بالمسيح (أع40:5-41 + 1بط14:4). لأجل إسمي= طوبى لمن يضطهد لأجل اسم المسيح، فالآلام مع المسيح هي شركة مجد. هم يضطهدونكم لأن إسمي فيكم. فالمسيح فتح الباب لكل إنسان ليعود إلى أحضان الآب ويخرج من سلطان الشيطان والظلمة. لذلك يكره العالم اسم المسيح، أمّا أبناء الله فيدركون أنه سر قوتهم. لأنهم لا يعرفون الذي أرسلني= هم يتصورون أنهم يعرفون الله ولكنهم حقيقة لا يعرفوه ولا يعرفون أن الآب هو الذي أرسل الابن ليجمع فيه أبناء الله. ومعرفة الله الآب مقصورة على من يقبل الابن وفدائه فتكون له حياة. والذي لا يعرف الابن يستحيل عليه معرفة الآب ومن لا يعرف الآب حقيقة لا يعرف الابن فهو ابنه. وبالتالي فهو يجدف على الآب والابن دون أن يدري. ودون أن يدري يسيء إلى نفسه (لو34:23). هذا كله= الاضطهاد حتى القتل والتعيير والاحتقار.
#كلمة حياة
/خادم كلمة الرب/